لطالما قدّم مسرح البولشوي الروسي عروض باليه باتت تحفاً فنية حققت المجد والشهرة لهذا المسرح العريق، وخُلدت هذه العروض بأسماء مصممي رقصاتها ومؤديها وملحني موسيقاها كمنجز فني خالص بغض النظر عن هوية صُنّاعه والحقبة الزمنية التي أُنتجت فيها. لكن باليه"سبارتاك"تحديداً ينفرد بخصوصيته التي تجعل من احتفالية مرور 40 عاماً على ولادته - التي تصادف هذه السنة - حدثاً متميزاً على الصعيد العالمي. ويبدو واضحاً بالعودة الى بدايات الستينات من القرن العشرين حين استلم مصمم الرقص المبدع يوري غريغوريفيتش الإدارة الفنية للمسرح، الصعود المطرد في مؤشر الحرفية والإتقان والتجديد في المواضيع المتناولة في هذا الحقل من الفنون. يوري غريغورفيتش أراد أن يحقق معادلة فنية بدت للوهلة الأولى معقدة، فشخصية"سبارتاك"المصارع العبد الذي قاد ثورة العبيد على سلطة الإمبراطورية الرومانية بدت مناقضة ومخالفة لمقاييس شخصيات الباليه الرئيسة التي طالما انحصرت بطبقة النبلاء والأمراء وكذلك موضوع الباليه الذي على رغم كونه جاء متناغماً مع الخطاب الثوري للحقبة السوفياتية، إلا أنه شكل خرقاً لرومانسية هذا الفن وأجوائه الخيالية ليطرح رؤية جديدة لملحمة بطولية تاريخية. كل هذا لم يشكل أهمية كبيرة بقدر ما شكل النمط الجديد في تصميم الرقص ثورة حقيقية في أدوات التعبير والتشكيل، غدت مدرسة فريدة في الباليه العالمي. لقد فرض"سبارتاك"على مصمم رقصاته نزالاً عنيفاً وطويلاً حطم القراءات التقليدية في التصميم والتأليف الموسيقى. في بحثه عن تجسيد مقنع لعنفوان هذه الشخصية المثيرة في ثورتها وعشقها وغيرتها وتمردها واستناداً الى موسيقى أرام خاتشاتوريان، كان يوري غريغوريفيتش يخلق نموذجاً جديداً للأداء الرجولي الراقص الذي كان قابعاً في المرتبة الثانية بعد رقة وعذوبة الأداء الأنثوي. أداء تطلب تجديداً في فلسفة الحضور الأنثوي، وقد بذل فلاديمير فاسيليف ويكاترينا ماكسيموفا - مؤدياً الأدوار الرئيسة في الباليه - جهداً استثنائياً لتحقيق أفكار المعلم الكبير. أخيراً وبعد سنوات من التحضير، وفي عام 1968 افتتح مسرح البلشوي عرض باليه"سبارتاك"مثيراً الكثير من الدهشة والبهجة لدى الجمهور، وبالقدر ذاته أثار حفيظة النقاد على ما اعتبروه إيحاءات جنسية مفرطة لكنهم على رغم ذلك أجمعوا على أنهم شاهدوا تقنيات رقص جديدة بالكامل. توالت نجاحات"سبارتاك"أينما حل في الولاياتالمتحدة وأوروبا وتمت دعوة مصمم رقصاته يوري غريغوريفتش من قبل الكثير من مسارح العالم لإعادة تقديمه مع راقصي هذه المسارح وكان كذلك بمثابة اعتراف بالمدرسة الجديدة التي بدأت بالفعل بتخريج أجيال من الراقصين والراقصات حققوا المجد والشهرة. باليه"سبارتاك"ظل حاضراً في معظم مواسم البولشوي منذ أربعين عاماً واعتبر بطاقة تعريف لهذا المسرح العريق، وتعاقبت أجيال من الراقصين الروس والأجانب طوال هذه الفترة على أداء شخصيات الباليه الرئيسة سبارتاك ومحبوبته فريجيا.