مع بدء العام الدراسي الجديد يتسمر الآلاف من الطلبة في مختلف مناطق الاردن على بوابات مدارسهم، إما احتجاجاً على عدم توافر المدرسين، وإما لعدم توافر صفوف لاستيعابهم، على رغم ان جميع مديريات التربية في المناطق اكدت قبل بدء العام الدراسي جاهزيتها لاستقبال الطلبة. فقد امضى الكثير من الطلبة الايام الاولى من العام الدراسي الذي افتتح في الثالث من الشهر الجاري في ساحات مدارسهم انصياعاً لاوامر مديري المدارس بانتظار استيعابهم في احدى غرف المدرسة المكتظة، في حين كان آخرون يتيهون بين المدارس علّهم يجدون تنفيذاً لوعود المديرين باستيعابهم في مدرسة اخرى. وهذة الحال ليست طارئة، بل مستمرة ومتكررة منذ سنوات خلت لم تستطع فيها جميع برامج العاملين على التخطيط التربوي ان تجترح حلولاً من شأنها استيعاب افرازات مشكلة النمو السكاني المطرد في المملكة منذ نشوئها عام 1923. وشهدت بداية الشهر الجاري التحاق مليون ونصف المليون طالب بمدارسهم التي تنقسم الى قسمين، الاول حكومي وهي تشكل النسبة الاكبر، فيما القسم الثاني يتبع للقطاع الخاص الذي يشكل النسبة الاكبر من المدارس في العاصمة عمان مركز الثقل السكاني، والذي لا يعاني من اي مشاكل يواجهها الطلبة في القطاع الحكومي. وتشير بيانات دائرة الاحصاءات العامة الحكومية في الاردن إلى تضاعف عدد سكان المملكة حوالى 6 مرات (630 في المئة) خلال الفترة بين 1952 و1995-، وذلك نتيجة ارتفاع معدل المواليد الذي يصاحبه انخفاض في معدل الوفيات من جهة، والهجرة الخارجية من جهة أخرى نتيجة الصدامات والحروب في المنطقة، وتدفق عشرات الآلاف من العمالة العربية والأجنبية إلى الأردن منذ منتصف عقد السبعينات، وعودة عشرات الآلاف من الأردنيين من الخارج. وما زال النمو السكاني في تزايد حتى أصبح عدد سكان المملكة يُقدَّر عام 2011 بحوالى 6 ملايين نسمة. ويبلغ معدل النمو السكاني حالياً (3.2)، الأمر الذي يشير إلى توقع تضاعف عدد السكان مرة أخرى خلال ال 22 عاماً المقبلة. ويبدي مديرو التربية حرصاً منقطع النظير في كل تصريح صحافي على التأكيد أن مديرياتهم اكملت استعداداتها لاستقبال الطلبة ووفرت الكتب بكميات كافيه وبطبعات جديدة، الا انهم يغفلون دائماً الحديث عن اجراءاتهم تجاه توفير القاعات الدراسية المناسبة والتي تكفل عدم اكتظاظ الطلبة او حتى اضطرارهم للدراسة في ممرات المدرسة وساحاتها، عدا عن تجاهلهم للحديث عن عدم توافر المدرسين لجميع التخصصات بما فيها العلمية والتي تشهد عادة نقصاً حاداً في مدرسيها، وخصوصاً في مناطق البادية النائية التي تشكل المساحة الاكبر من المملكة. في المقابل يؤكد العديد من الطلبة انهم يضطرون للدراسة في ممرات المدرسة وأحياناً في ساحاتها بسبب نقص القاعات التدريسية، عدا عن المشكلة التي يرون انها الاكبر امامهم وهي «الصفوف المجمعة» والتي تلجأ اليها الكثير من المدارس اخيراً للخروج من مأزق نقص المدرسين والقاعات. والصفوف المجمعة مصطلح تربوي بات يعرفه الكثير من الاردنيين ويعني تجميع اكثر من صف دراسي ومن مستويات مختلفة في قاعة واحد يقوم مدرس واحد على تدريسها جميعاً وفقاً لنظام الدور. وهذه الحال اضطرت ذوي طلبة المدرسة الاساسية في بلدة «رأس النقب» في محافظة معان (250 كلم جنوب العاصمة عمان) الى منع أبنائهم يوم الاربعاء قبل الماضي من التوجه للمدرسة. ويوضح أولياء أمور الطلبة أن منع أبنائهم من الذهاب الى المدرسة جاء بسبب الاكتظاظ في الغرف الصفية وعدم توافر مستلزمات العملية التعليمية في مبناها. وكان طلبة المدرسة نفذوا اعتصاماً مفتوحاً عن الدوام أمام مقر المدرسة ليومين متتالين، احتجاجاً على ما اعتبروه «أوضاعاً مأسوية» آلت إليها المدرسة، وأدت إلى تراجع المستوى التعليمي للطلبة. وأشار اولياء امور الطلبة إلى أنهم تقدموا بشكاوى عديدة إلى الجهات المسؤولة في محافظة معان ووزارة التربية حول الإشكالات التي تعاني منها المدرسة والآثار المترتبة عليها، الا أن تلك الشكاوى لم تجد آذاناً صاغية ما دعاهم إلى التفكير بمنع أبنائهم من التوجه إلى المدرسة نهائياً لحين التوصل الى حلول جذرية لهذه المشكلة. وكان طلبة المدرسة أمتنعوا في العام الماضي عن الالتحاق بدوامهم للاسباب ذاتها، الامر الذي دعا ادارة مديرية التربية في المحافظة الى التحرك لانهاء الاعتصام من خلال اطلاق وعود ملزمة وتعهدات بحل الإشكالات التي تعاني منها مدرسة القرية. وعلى رغم ان مصدراً مسؤولاً في مديرية تربية البادية الجنوبية التي تتبع لها المدرسة يقر بتردي وضع المدرسة، الا انه ينحى باللائمة على مديرية الابنية الحكومية التي يشير الى مخاطبتها باستمرار من اجل انشاء العديد من الغرف الصفية لإنهاء مشكلة الاكتظاظ وإعادة تأهيل مدارس البلدة القديمة. ويؤكد المصدر ذاته ان المديرية تلجأ الى التدريس في مدرسة القرية من الصف الخامس وحتى الصف العاشر في آن واحد وضمن طريقة التدريس بالتفاعل النشط للصفوف المجمعة. والمشكلة في مدارس لواء الأغوار الجنوبية (100 كلم جنوب غربي العاصمة عمان) لا تختلف كثيراً، فالمدارس، ومع اكتظاظها، تعاني نقصاً في المعلمين في بعض التخصصات خصوصاً العلمية منها والتي تتكرر في بداية كل عام دراسي. يرجع السكان سبب هذا النقص إلى غياب التخطيط من قبل وزارة التربية والتعليم التي «تتذرع» مع بداية كل عام دراسي جديد بأن سبب النقص يعود إلى الاستنكافات من قبل المعلمين المعينين او نتيجة التنقلات الداخلية والخارجية. وقد يبلغ اكتظاظ الطلبة حداً لا تستطيع الغرفة الصفية استيعابه، اذ قد يصل احياناً الى 50 طالباً، الأمر الذي ينعكس على مستوى تحصيل الطلبة، بخاصة ان نسب النجاح في امتحان الثانوية العامة «التوجيهي» لم تتجاوز منذ سنوات 25 في المئة في الوقت الذي تكون فيه معدلات من تجاوزوا هذا الامتحان متدنية. ويطالب سلمان الشمالات، احد اولياء الامور في المنطقة، بتوفير جميع وسائل الراحة للمعلمين لتحفيزهم على البقاء والسكن في المنطقة التي تعتبر من المناطق النائية، كحل لمشكلة هجرة المعلمين او استنكافهم عن التدريس في مدارس المنطقة. فيما يدعو صلاح حسن وهو احد سكان المنطقة وزارة التربية والتعليم الى اعادة المعلمين من تخصصات الرياضيات والكيمياء، والذين تم سحبهم من المدارس للعمل كإدريين في مديرية تربية الأغوار الجنوبية الى مدارسهم، لافتاً الى ان نقص المعلمين يعتبر من الأسباب المؤدية إلى ضعف التحصيل الدراسي لطلبة الأغوار الجنوبية. وفي الشونة الجنوبية (50 كلم جنوب غربي العاصمة عمان) تجد الاوضاع اسوأ، فالبنية التحتية والتعليمية للمدرسة الاساسية المستاجرة فيها «الكرامة» متردية ولا تصلح للتدريس، في الوقت الذي امضى فيه حوالى 20 طالباً من المدرسة من مستوى الصف الرابع ايامهم الاولى يتنقلون بين المدرسة الثانوية التي رفضت استقبالهم بحجة عدم وجود غرفة صفية ومدرستهم الاصيلة التي لا تستوعب الاعداد الموجودة. فالمبنى مستأجر وغرفه ضيقة جداً بحيث لا يستطيع الطلبة او المعلمون المرور بين المقاعد، ما يضطر بعض الطلبة الى القفز من فوق المقاعد للجلوس في اماكنهم، هذا عدا عن النقص الكبير في المرافق الضرورية.