أحمد طالب في إحدى مدارس الأغوار الجنوبية، لم يحالفه الحظ بالنجاح في امتحان الثانوية العامة للسنة الثالثة على التوالي، ولا يجد ما يلقي اللوم عليه، إلاّ حظه «العاثر» الذي لم يُتِح له الفرصة لتقديم الامتحان مع زملاء متمكنين من الدراسة يستطيع أن «يغش عنهم». ففرحة النجاح «هجرت» المدرسة التي يدرس بها منذ أربعة أعوام، إلى درجة أن إدارة مدرسته تفكّر في إلغاء فصل الثانوية العامة منها درءاً للفضيحة التي تلازمها من دون نهاية. يرفض أحمد أن يحمّل مدرسته، التي لا يتوافر فيها معلمون متخصصون أو أي وسيلة من متطلبات التعليم وزر رسوبه، ويقول: «عندما أجد الوقت الكافي للدوام وقتها يمكن لي انتقاد عدم توافر المعلمين»، محملاً وضعه العائلي والاقتصادي المسؤولية. ويغفل عن أن منطقته التي يعيش فيها حياة العوز وتتقاذفه بين ثنائية المرض والجهل، تربض فوق مناجم من الفوسفات والبوتاس والنحاس التي تدرّ ذهباً في خزائن المسيطرين عليها. وكان النجاح غاب عن ثلاث مدارس في غور الصافي والمزرعة والنقع بالأغوار الجنوبية (50 كلم جنوب غربي العاصمة عمان)، للعام الرابع على التوالي، فيما سجّلت نسبة النجاح في فروع مدارس الأغوار الجنوبية كافة 23 في المئة، وهي نسبة تعتبر من أدنى النسب على مستوى المملكة، وفق تربويين. ويقول مدير مدرسة غور فيفا التي لم ينجح منها أحد في العامين الماضيين، إن طالباً واحداً فقط نجح العام الحالي، مرجعاً السبب في رسوب الطلاب إلى الفقر الذي يدفع بهم إلى طرق سوق العمل مبكراً لتحسين أوضاع أسرهم المتردية. ويحمّل مدير مدرسة غور النقع نايف العشوش أولياء الأمور المسؤولية الكبرى في عدم نجاح أبنائهم «لإهمالهم» والدليل «عدم اكتمال نصاب الاجتماعات التي تعقدها المدارس مع أولياء الأمور لمناقشة الأوضاع الدراسية لأبنائهم». أمّا أولياء الأمور فينتقدون عدم استجابة وزارة التربية والتعليم لمطالبهم المتكررة بضرورة الاهتمام بتحسين مستوى الخدمات المقدّمة لمدارس منطقتهم. ويبدون استياءهم من عدم وجود حلول وخطط لتحسين مستوى التحصيل الدراسي لأبنائهم منذ أعوام، ذاهبين إلى أن ذلك ساهم في تراجع العملية التربوية في مدارس الأغوار الجنوبية التي تستقبل سنوياً أكثر من 1400 طالب وطالبة في الصف الأول الابتدائي. ويعد نقص المعلمين وفق الأهالي من أبرز العوامل التي أسهمت في تدني تحصيل الطلاب. وتركزت ملاحظات أولياء الأمور على البيئة المدرسية التي تعاني من اكتظاظ في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى 50 درجة مئوية، وضعف التأسيس في المراحل الأساسية الأولى. وطالب رئيس التطوير التربوي عن المجتمع المحلي مفلح العشيبات وزارة التربية والتعليم بتشكيل لجان ميدانية لمعالجة مشكلة ضعف التحصيل العلمي لطلاب الأغوار الجنوبية. ورأى العشيبات أن أسباب ضعف التحصيل العلمي لطلاب مدارس الأغوار الجنوبية والبالغة عددها 32 مدرسة، عدم وجود خطط وبرامج تستهدف الطلاب في المدارس وحاجاتهم من تحسين البيئة المدرسية خصوصاً داخل الغرفة الصفية. وأكد ضرورة إدماج الطلاب في نشاطات غير منهجية وتفعيل دور الإرشاد التربوي داخل المدارس، مبيناً أن استمرار التراجع في مستوى التحصيل العلمي للطلاب سينعكس سلباً على تقدم المنطقة علمياً واقتصادياً في ظلّ اعتمادها على الخبرات والمهارات العلمية من خارج المنطقة.