تحدَّث ياقوت الحموي في "معجم البلدان" عن الكثير من المدن والقُرى والسُّهول والجبال والأنهر والبحار، ومن البلدان التي تحدَّث عنها كُورة جُوَيْنُ الْخُراسانية إذ قال: جُوَيْنُ اسم كورةٍ جليلة نزهة على طريق القوافل من بِسْطام إلى نيسابور، يُسمِّيها أهلُ خُراسان كُويان، فعُرِّبَتْ فقِيل: جُوَيْنُ. وحُدود جُوَيْنُ متَّصِلةٌ بِحُدودِ بَيْهَقَ من جِهَةِ القِبْلةِ وبِحُدودِ جاجَرم من جهة الشمال وقصبتها"أَزَاذْ وار"وهي في أول هذه الكورة من جهة الغرب. وقال أبو القاسم البيهقي: مَنْ قال: جُوَيْنُ"فإنه اسمُ بعض أُمرائِها سُمِّيت به، ومَنْ قال: كُويان نَسَبَها إلى كُوي"وهي تشتمل على مائة وتسع وثمانين قرية، وجميع قُراها مُتَّصِلة كُلُّ واحدة بالأُخرى، وهي كٌورَةٌ مُستطيلة بين جبلين في فضاءٍ رَحْبٍ، وقد قُسِمَ ذلك الفضاءُ نصفين، فبُني في نصفه الشمالي القرى واحدة إلى جنب الأُخرى آخذةً من الشرق إلى الغرب، وليس فيها واحدة مُعترضة، واستُخْرِجَ من نصفه الجنوبي قُنِيٌّ تسْقي القُرى التي ذكرنا، وليس في نصفه هذا أعني الجنوبي عمارة قطّ، وبين هذه الكورة ونيسابور نحو عشرة فراسخ. ويُنْسَبُ إلى جُوَيْنَ خلْق كثير من الأئمة والعُلماء. منهم مُوسى بن العباس بن محمد أبو عمران الْجُوَيْنِيّ النيسابوري أَحَدُ الرَّحالين، سَمِعَ بدمشقَ أبا بكرٍ محمد بن عبدالرحمن بن الأشعث، وأبا زُرعة البصريّ وغَيْرَهُمَا، وسَمِعَ بِمِصْرَ سُليمان بن أشعث، ومحمد بن عزيز، وبالكوفة أحمد بن حازم، وبالرملة الفلسطينية حميد بن عامر، وبمكّة المكرّمة محمد بن إسمعيل بن سالم"وأبا زُرعة"وأبا حاتم الرازيين"وغير هؤلاء. وروى عنه الحسنُ بن سُفيان، وأبو علي"وأبو أحمد الحافظان الحاكمان"وغير هؤلاء كثير. قال أبو عبدالله الحاكم، وكان يسكن قرية أزاذوار قصبة جُوَيْنَ"قال: وهو مِنْ أعيان الرحالة في طَلَبِ الحديث، صَحِبَ أبا زكرياء الأعرج بمصر والشام، وكَتَبَ بانتخابه، وهو حَسَنُ الحديث بِمرّة. وصَنَّفَ على كتاب مُسلم بن الحجَّاج، ومات بِجُوَيْنَ عام 323 ه. وكان يسكن فيها: أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني"إمامُ عصره بنيسابور، ووالدُ أبي المعالي الجويني"تفَقَّهَ على أبي الطيب سَهْل بن محمد الصعلوكي، وقَدِمَ"مَرْوَ"قصْداً لأبي بكر بن عبدالله بن أحمد القفَّال المروزيّ، فتفقه به"وسمع منه، وقرأ الأدب على والده يوسف الأديب بِجُوَيْنَ وبرعَ في الفقه، وصَنَّف فيه التصانيفَ المفيدة، وشرَحَ الْمُزْنِيَّ شَرْحاً شافياً، وكان وَرِعاً دائم العِبادة شديد الاحتياط مُبالِغاً فيه"سَمِعَ أُستاذَيْهِ أبا عبدالرحمن السُّلمي، وأبا محمد بن بابَوَيْهِ الأصبهاني، وببغداد أبا الحسن محمد بن الحسين بن الفضل بن نظيف الفرّاءَ وغيرهم. ورَوَى عنه سَهْل بن إبراهيم أبو القاسم السّجزي، ولم يُحَدِّثْ أحَدٌ عنه سِواه"والله أعلم، ومات بنيسابور عام 434 ه. وكان يسكن في جُوَيْنَ أبو الحسن علي بن يوسف الجويني المعروف بشيخ الْحِجَاز، وهو أخو أبي محمد عبدالله بن يوسف الجويني، أي: هو عَمُّ إمام الحرمين، وكان صُوفياً لطيفاَ ظريفاً فاضلاً مُشتغلاً بالعلم والحديث، وقد صَنَّفَ كتاباً في علوم الصوفية مُرتباً مُبوَّباً سَمَّاهُ كِتَاب السّلوة. وسمع من شُيوخ أخيه، وَسَمِعَ أيضاً أبا نُعَيم بن عبدالملك بن الحسن الأسفرائيني بنيسابور، وسمِعَ بِمِصْرَ أبا محمد عبدالرحمن بن عُمر النَّحَّاس، ورَوى عنه زاهرٌ ورجبٌ ابنا طاهرٍ الشَّحَّاميان، ومات بنيسابور عام 463 ه. وقيل مات: عام 465 ه. ومن علماء جٌوين أيضاً سليمان بن ناصر بن عمران محمد بن إسماعيل ابن إسحاق النيسابوري الأنصاري"أبو القاسم الجويني الشافعي تلميذ إمام الحرمين"تُوفى عام 512ه. ومن تآليفه: شرح كتاب الإرشاد في علم الكلام الذي ألّفه أُستاذُه إمام الحرمين، وشرح المغنى لابن سُريج في الفروع، وكتاب الطهارات في الفقه. أشهَر مشاهير جُوَيْنَ وأعلم أعلام العالم المُسلمين الشافعية، أبو المعالي"عبدالملك بن أبي محمد عبدالله بن يوسف بن عبدالله بن يوسف الجويني، إمامُ الْحَرَمَيْنِ الشريفين، وأصلُه يعودُ إلى قبيلة سِنْبِس العربية، وُلِد في 18 محرم عام 419ه/ 12 شباط/فبراير 1028م، ونشأ في بيتٍ عُرِفَ بالعلمِ والتَّدَيُّن"فأبوهُ كان شيخ الشافعية، وأحد علماء وفقهاء نيسابور وله مؤلفات كثيرة في التفسير والفقه والعقائد والعبادات، وقد حرِص الوالدُ على تنشئةِ ابنه عبدالملك تنشئةً إسلامية صحيحة، فعلَّمَهُ بنفسه اللغة العربية وعلومها، واجتهد في تعليمه، فحفظ الولدُ القرآنَ الكريم في سِنٍّ مُبكرة، ثم أتقن علوم الفقه، وأصول الفقه، وأصول الدين، والجدال والمناظرة والخلاف، وغير ذلك من علوم عصره. وقدِمَ بغداد، ثم سافر وجاور في مكةالمكرمة، والمدينة المنورة. ورجع إلى نيسابور يُدرِّس العلوم ويَعِظ إلى أن تُوفى في نيسابور عام 478ه. وقد سَمِعَ الحديثَ من أبي بكر أحمد بن محمد بن الحارث الأصبهاني التميمي، وكان قليلَ الرواية مُعرِضاً عن الحديث، ولكن اهتمامته بالعلم والمعرفة ومثابرته جعلته من أئمة عصره المعروفين وهو في العشرين من عمره، وبعدما توفى أبوه جلس هو مكانه للتدريس في شبابه"ولكن التدريس لم يشغله عن مُزاولة البحث ومُواصلة التحصيل والاطلاع"فكان دارساً ومُدرّساً في نفس الوقت. ولم يكتفِ الجويني بما تعلمه من والده المعلم الأول في حياته، بل كان يصِلُ الليلَ بالنهار في التحصيل والدراسة، إذْ أخَذَ علوم الفقه عن الشيخ أبي القاسم الإسفرائيني، وتلقى علوم القرآن الكريم من شيخ القُرّاء أبي عبدالله محمد بن علي النيسابوري، وتتلمذ على عبدالله الخبازي ت 372 ه، و القاضي حسين ت 462 ه، و أبي نعيم الأصبهاني ت 430ه، وأبي القاسم الفوراني ت 463 ه، وأبي الحسن المجاشعي ت 452 ه، وأبي سعيد الميهني ت 440ه. ومن أشهر تلاميذ إمام الحرمين الجويني: حُجّة الإسلام والمسلمين أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، وعبدالغافر النيسابوري، وأبوالحسن الطبري المعروف بإلكيا الهراسي شيخ الأصوليين في زمانه، وأبو المظفر الخوافي. ولم يقتصر نشاط إمام الحرمين على الدَّرْس والتدريس والتحصيل، بل اشتغل بتأليف الكُتب المتنوعة الأغراض والمواضيع، وقد لاقت كُتُبُه قبولاً منذ عصره حتى الآن، فقد نَسَخَ الخطاطون مئات المخطوطات من كتُبه في أمصار العالم الإسلامي، وفي عصر الطباعة لاقت كتبه اهتمام المحققين والباحثين والناشرين، فمن مصنفاته المشهورة: نِهاية الْمَطْلَب في دراية المذهب"وقد صَدَرَ مُحقَّقاً في 21 مجلداً عن دار المنهاج في جدَّة بالمملكة العربية السعودية، ومن كُتُبه: الشَّامل في أصول الدين، ومن تصانيفه التي ذُكرت في هدية العارفين / صفحة: 626 /: الإرشاد في علم الكلام، وأساليب في الخلاف، والبرهان في الأصول، والبُلغة، والتحفة في الأصول، وتفسير القرآن، وتلخيص التقريب، وتلخيص نهاية المطلب، وديوان الخطب، ورسالة النظامية، والشامل في الأصول، وشرح لباب الفقه للمحاملي، والعقيدة النظامية، وغُنية المسترشدين في الخلاف، وغيّاث الأمم في الإمامة، وغيّاث الخلق في اتباع الأحقّ في التحريض على الأخذ بمذهب الشافعي، والغياثي"صنفه للوزير غياث الدين، ولُمَع الأدلة، ومدارك العُقول لم يُتِمّه، ومُغيث الخلق في اختيار الأحقّ صنّفه لترجيح مذهبه، والورقات في أصول الفقه.