ما من أحد يُشكك في صحة أحاديث الصحيحيْن(البخاري ومسلم)، وأتفق مع ابن حجر العسقلاني في تقريره في الفصل الثاني في مقدمته في شرح صحيح البخاري أنّ صحيح البخاري" أصح الكتب المصنّفة في الحديث النبوي"[ص9]ونلاحظ هنا أنّه لم يقرنه بكتاب الله، وهو القول المتداول بين علماء الأمة" أنّ الصحيحيْن أصح الكتب بعد كتاب الله"، فجميعنا يقر أنّ الصحيحيْن أصح الكتب المصنّفة في الحديث النبوي، وهذا لا يعني خلوهما من الخطأ، فصاحبا الصحيحيْن بشر، وليسا بنبييْن معصوميْن من الخطأ، وعندما سُئل الشيخ الألباني عن هل ضَعّف أحاديث للبخاري، فأجاب:" أمّا أنّه سبق لي أن ضعّفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب الاعتراف بها ولا يجوز إنكارها. ذلك لأسباب كثيرة جداً أولها: المسلمون كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم .كلهم يجمعون على أنّه لا عصمة لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلى هذا من النتائج البديهية أيضاً أنّ أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف على رسمه، لابد أن يرسخ في ذهنه أنّه لا بد أن يكون فيه شيء من الخطأ" وقال في إجابته عن سؤال حول من سبقه في تضعيف أحاديث للبخاري ومسلم:" أما عما يتعلق بغيري مما جاء في سؤالك وهو هل سبقك أحد، فأقول والحمد لله سُبِقتُ من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف مني بهذا العلم الشريف وقدامى جداً بنحو ألف سنة .فالإمام الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الأحاديث.." وقال :" لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث" ويستطرد قائلًا:" ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط، بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد .ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله . . أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح . [شاهد حديث الشيخ الألباني عن انتقاده لبعض أحاديث صحيح البخاري http://www.youtube.com/watch?v=7CXW6DeKF8I] وذكر الشيخ محمد أمين في مقدمة كتابه ضعيف البخاري ومسلم:" يزعم بعض المتأخرين إجماع جميع علماء الأمة على صحة ما أخرجه البخاري ومسلم، وهذا فيه نظر. ومثالها قول أبي إسحاق الإسفرائيني(وهو من الأصوليين وليس من المحدّثين):«أهل الصنعة مجمعون على أنّ الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها». وقد بلغ الشطط بالدهلوي إلى القول في كتابه "حجة الله البالغة"(1|283): «أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أنّ جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنّهما متواتران إلى مصنفيهما، وأنّه كل من يهون من أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين». بل أسوأ من هذا ما قاله أحمد شاكر في تعليقاته على مختصر علوم الحديث لابن كثير (ص35): «الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم، وتبعهم على بصيرة من الأمر: أنّ أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف. وإنّما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه، وأمّا صحة الحديث نفسه، فلم يخالف أحد فيها». ثمّ يستطرد قائلًا: أقول وكم من إجماعٍ نقلوه وهو أبطل من الباطل. ولنا أن نذكر مقولة الإمام أحمد: «من ادعى الإجماع فهو كاذب». نعم، أجمعت الأمة على أنّ جمهور الأحاديث التي في الصحيحين صحيحة. هذا الذي نقله الحفاظ الكبار وتداولوه. فجاء من بعدهم أقوامٌ ما فهموا مقالتهم، فأطلقوا القول وزعموا أنّ هذا الإجماع شاملٌ لكل حرفٍ أخرجه البخاري ومسلم بلا استثناء. وصاروا يضللون كل من يخالفهم. ولا حول ولا قوة إلا الله." ويواصل قوله :" واعلم أنّ هناك أحاديث في الصحيحين ضعفها علماءٌ محدثون كثر، وما حصل إجماعٌ على صحة كل حديثٍ في الصحيحين، لا قبل البخاري ومسلم ولا بعدهما. فممن انتقد بعض تلك الأحاديث: أحمد بن حنبل(164-241ه) وعلي بن المديني( ويحيى بن معين وأبو داود السجستاني(202-275ه) والبخاري(194 - 256 ه) نفسه(ضعف حديثاً عند مسلم) وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو عيسى الترمذي(( 209-279ه) والعقيلي والنسائي((ت 302أو 303ه) وأبو علي النيسابوري وأبو بكر الإسماعيلي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن الدارقطني (ت 385ه)وابن مندة والبيهقي(384 - 458 ه) والعطار والغساني الجياني وأبو الفضل الهروي بن عمار الشهيد وابن الجوزي وابن حزم(384- 456ه) وابن عبد البر((368 ه - 463ه) وابن تيمية(661-728ه) وابن القيم((691 ه - 751 ه ) والألباني(1333-1420ه) وكثير غيرهم. فهل كل هؤلاء العلماء مبتدعة متبعين غير سبيل المؤمنين؟!" هذا ويُضاف إلى هؤلاء المنتقدين: محمد عبده، محمد رشيد رضا، الغزالي، والشنقيطي وابن عثيمين، وابن باز، والدكتور أكرم ضياء العمري وغيرهم. بهذه المقدمة أبدأ الحديث عن خطابنا الديني وصحيحي البخاري ومسلم، فرغم كل هؤلاء العلماء الذين انتقدوهما، نجد إصرار بعض علمائنا على مقارنتهما بكتاب الله، مرددين مقولة ابن الصلاح الشهرزوري(577 – 643ه/ 1181– 1245م)أنّهما أصح كتب الحديث بعد كتاب الله، وأحاديثهما قد أجمعت الأمة على صحتها، ويكفرون من ينتقدها، متهمينه بإنكاره للسنة، وأنّه قرآني! وهنا أسأل: هل كل هؤلاء العلماء من علماء الحديث مثل أصحاب السنن، وغيرهم وفقهاء مثل ابن حنبل وابن تيمية وابن القيِّم وغيرهم يمثلون مختلف العصور الذين بيّنوا ضعف بعض أحاديث الصحيحيْن قرآنيون منكرون للسنة؟ نقلا عن المدينة