تحدث المؤرخ شمس الدين السخاوي (ت902ه/ 1496م) في كتابه «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ» عن فنون الكتابة التاريخية، فذكر منها كتب الترجمات، ثم صنف هذه الكتب إلى أنواع فذكر منها تاريخ الفقهاء؛ فتحدث عمن ألف فيها تأليفاً مطلقاً، ثم خصَّ كل مذهب من المذاهب الأربعة بذكر ما أُلف في ترجمات فقهائه، وأول ما بدأ به كتب طبقات الشافعية، لأنه شافعي، فذكر أول من ألف فيها وهلم جراً، حتى انتهى إلى ذكر ما دُوِّن عنها في عصره. ومن هذه الكتب كتاب «اللمع الألمعية لأعيان الشافعية» لقطب الدين الخضيري (ت894ه/ 1488م) موضوع المقال. ذكر السخاوي أن الخضيري استعار من شيخه ابن حجر (ت85ه/ 1448م) نسخته الخاصة من كتاب «الطبقات الوسطى» لتاج الدين السبكي (ت771ه/ 1369م) فجرّد ما كتبه ابن حجر عليها من الحواشي المتعلقة بعدد من فقهاء الشافعية ممن لم يردوا في الطبقات مع ما ورد في أصل الطبقات. كما أمدَّه ابن حجر بعدد من الكتب التي تعينه على إعداد كتابه، منها أجزاء من «تاريخ مصر» لقطب الدين الحلبي (ت735ه/ 1335م)، و «تاريخ نيسابور» للحاكم النيسابوري (ت405ه/ 1014م)، و «الذيل عليه» لعبدالغافر الفارسي (ت529ه/1135 م)، و «تاريخ بخارى» لغنجار (ت412ه/ 1028م)، و «تاريخ أصبهان» لأبي نعيم الأصبهاني (ت:43ه/ 1038م). بدأ الخضيري تدوين كتابه بعد أن سماه «اللمع الألمعية لأعيان الشافعية»، فأخرج ما أورده من ترجمات فقهاء الشافعية من الكتب السالفة الذكر وغيرها، وأضاف إلى ذلك جماعة من شيوخه وأصحابه، منهم برهان الدين البقاعي (ت885ه/ 1480م)، وقد انتهى من بعضه في حياة ابن حجر، وانتقد السخاوي عليه يومها بعض ما أورده في قطعةٍ رآها أو مما سمع أنه دوَّنه في الكتاب، وقد طلبه السخاوي بعد سنة 890ه/ 1484م للاطلاع على ما كتب، وليستفيد منه في كتابه الخاص بترجمات القرن التاسع «الضوء اللامع»، وقد قال له في رسالة: «إنما تركتُ توجهي لجمع الشافعية مراعاة لكم، وإلا فغير خاف عنكم أنني إذا نهضتُ إليه أعملُه في زمن يسير جداً»، فأخبره الخضيري بأنه لم يعمل عليه، ولم ينته منه، وأنه استعار كُتباً ليستمدَّ منها في تحرير كتابه، ك «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي، و «تاريخ غرناطة» لابن الخطيب. تعجَّب السخاوي من طلب الخضيري ترجمات الشافعية من تاريخ ابن الخطيب الخاص بالمالكية، وتألم السخاوي لكون هذين الكتابين كانا عندي ينتفع بهما؛ وهما من أوقاف خانقاه «سعيد السعداء»، فاحتال الخضيري عليه حتى أخذهما منه مع عدم انتفاعه بهما، وقد فهرس الكتاب ابن حجر بخطه لكونه كان يرى ذلك أسهل من التقريض، وعتب الشيخ على الخضيري لعدم عزو ما استفاده منه إليه، وأنه ينقل عن تقي الدين المقريزي (ت845ه/ 1841م) كلاماً هو من كلامه. بعد أن تحدث السخاوي عن ملابسات إعداد الكتاب وتسميته، وبعض مشكلات الخضيري الخاصة بإسناد النقول إلى أصحابها، انتقل إلى نقد متن كراستين من الكتاب رآهما بعد موت الخضيري، وهي انتقادات بعضها يتعلق بالتصحيف والتحريف، ككتابته الجبرتي «الجيزي»، والحمصي «الجهني»، وابن ماك «ابن مال»، وبعضها يتعلق بأخطاء تاريخية، كقوله «أن الاستادار أعطى ابن أسدان مشيخة مدرسته وخطابتها وإمامتها»، والصواب إمامتها فقط، وبعضها يتعلق بصحة الاسم نسباً، فقد سمى جد النسائي بحراً وإنما هو علي بن سنان بن بحر، وسمى جد الزواوي أحمد وإنما هو نصر الله... إلخ. هذا الكتاب منه نسخة مخطوطة في مكتبة المتحف العراقي في بغداد تحت رقم 8642، في 518 ص، وقد وصفها أسامة ناصر النقشبندي بقوله: «كتبها المؤلف بخطه كمسودة تشابه أسلوب شيخه ابن حجر، فسطورها غير منتظمة، وتعليقاته، وشروحه، وإضافاته، وتصحيحاته كتبت في اتجاهات مختلفة من الصفحة»، ويعمل الباحث كريم محمد عيد زكي على تحقيق جزء منه يبدأ من أول من اسمه «عثمان» إلى آخر ترجمة المحسن بن عيسى البغدادي تحت إشراف أيمن فؤاد سيد (معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة) منذ 2014م.