كانت الأنظار مشدودة الى بكين لمتابعة الافتتاح الأخاذ للألعاب الاولمبية، امس، عندما بدأت أخبار"حرب"في منطقة لم يسمع بها كثيرون اسمها اوسيتيا الجنوبية، تعاني من مشكلة قديمة هي ان غالبية سكانها تنشد، مدعومة من قوة عظمى روسيا، الانفصال عن"جار كبير"جورجيا يرفض ذلك بشدة لأسباب كثيرة. ومع توالي الاخبار كانت الحرب تكبر باتجاه مواجهة عسكرية مفتوحة بين بلدين يتحفزان للقتال منذ فترة: روسيا الراغبة اظهار سيادتها في منطقة كانت أصلا من ملحقاتها، وجورجيا التي نحت باتجاه الغرب وتسعى الى دخول الحلف الاطلسي لتعزيز وضعها رغبة في اثبات قدرتها على الوقوف في وجه الدب الروسي. فبعد شهور من المناوشات والتهديدات المتبادلة، اندلعت الحرب الروسية - الجورجية في اوسيتيا الجنوبية، مهددة بانعكاسات سلبية في منطقة القوقاز بكاملها وعلى علاقات روسيا مع الغرب، نظراً إلى أهمية منطقة النزاع بالنسبة إلى خطوط نقل موارد الطاقة التي يتنافس الغربيون والروس لبسط نفوذهم عليها. واشتعلت الشرارة الأولى للحرب بمعارك عنيفة ليل الخميس -الجمعة، بين الجيش الجورجي وقوات الدفاع الذاتي في اوسيتيا الجنوبية التي أعلنت انفصالها عن جورجيا اثر انهيار الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي لم تتقبله تبليسي. وأعلن رئيس أوسيتيا الجنوبية ادوارد كوكوني مقتل 1400 شخص من سكانها في الهجوم الجورجي. راجع ص 7. اوسيتيا الجنوبية، التي يتوق ابناؤها الى الالتحام مع اخوانهم في اوسيتيا الشمالية الملحقة بالاتحاد الروسي، كانت منذ فترة تغلي بالتوتر. لكن توقيت انفجار القتال دفع بالمراقبين الى ربطه بافتتاح الاولمبياد من منطلق ان جورجيا ربما حسبت إمكان نجاحها في توجيه ضربة قاصمة سريعة ل"الاستقلاليين"الاوسيتيين بينما"رجل روسيا القوي"رئيس الوزراء فلاديمير بوتين في بكين محاطا بزعماء العالم، ومنهم الرئيس الاميركي جورج بوش الحليف القوي لجورجيا، فيما الكرملين بعهدة الرئيس الطري العود ديمتري مدفيديف. ولم يغفل المراقبون ان يكون"الاستقلاليون"استدرجوا الجورجيين الى تفجير الوضع على نطاق واسع بهدف استغلال"اللحظة"في تسليط الضوء على قضيتهم في وقت ما زالت وقائع استقلال اقليم كوسوفو حاضرة على الساحة الدولية. سواء كانت هي البادئة بالحرب أم المستدرجة اليها، فان جورجيا تستند في"اللعب مع الدب الروسي"الى تقدير أهميتها في حسابات الغرب، الولاياتالمتحدة، بعدما انخرطت بكل حماس في المشاريع الاميركية خصوصا الحرب على الارهاب والحرب في العراق حيث تشارك جورجيا بالفي جندي لتكون ثالث أكبر قوة هناك بعد الولاياتالمتحدة وبريطانيا. لكن هذه"الاهمية"تزعزعت مؤخرا عندما صد"حلف شمالي الاطلسي"الناتو جورجيا وحرمه حتى"خريطة طريق"الى عضويته التي تراها صمام أمان لها في مواجهة روسيا. وكان ملفتا اعلان جورجيا نيتها سحب الف من جنودها في العراق ما يمكن تفسيره ضغطا على الحليف الاميركي لدعمها. بالنسبة لموسكو فأن اي"دعسة ناقصة"من جورجيا هي فرصة ثمينة للانتقام من هذه الدولة التي كانت جمهورية تابعة لها، خصوصا بعدما بلغ تمردها عليها حد السعي الى ايصال"الناتو"الى حدود روسيا. وطغت الأزمة على محادثات أجراها الرئيس الأميركي جورج بوش مع بوتين في بكين، على هامش مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية. وابلغ بوتين الرئيس الأميركي ان"الأعمال العدوانية"الجورجية ستستدعي"الرد"، مشيراً إلى ان"متطوعين روساً جاهزون للتوجه الى اوسيتيا الجنوبية للقتال"الى جانب سكانها. وفي محاولة لتهدئة الوضع، قررت واشنطن وباريس التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي إرسال وفد الى تبليسي وموسكو في إطار وساطة دولية لوقف المعارك، كما أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية غونزالو غاليغوس. لكن الناطق الأميركي جدد"دعم"بلاده"وحدة الأراضي الجورجية"، في معارضة واضحة للتدخل الروسي في الإقليم. في غضون ذلك، فشلت محاولات متكررة في مجلس الأمن للتوصل الى اتفاق على وقف النار في اوسيتيا الجنوبية، واكتفى المجلس بالإعراب عن قلقه لتطور الأوضاع هناك. كذلك دعا حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي الى وقف فوري للمواجهات، فيما دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الى فتح"ممر إنساني"في اوسيتيا الجنوبية. في فيينا، وقال وزير الخارجية الفنلندي الكسندر شتوب الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ان"القتال العنيف الدائر في منطقة الصراع في اوسيتيا الجنوبية يهدد بخطر التصاعد إلى حرب شاملة، سيكون لها تأثير مدمر على المنطقة بأسرها". واشار الى انه على اتصال بنظرائه في الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، وسيرسل مبعوثاً خاصاً الى جورجيا لمناقشة زيادة عدد مراقبي المنظمة في اوسيتيا الجنوبية، حيث تنتشر منذ سنوات قوات حفظ سلام روسية. وكانت وتيرة المواجهات تصاعدت لتصل الى عاصمة الإقليم تسخينفالي حيث دارت مواجهات شرسة، ما دفع سلاحي الجو والدبابات الروسيين، الى التدخل لوقف"العدوان"الجورجي على سكان اوسيتيا الجنوبية الذين يحمل معظمهم الجنسية الروسية إضافة الى جنسيتهم الجورجية. وسارع الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الى إدانة غارات شنها الطيران الروسي على مواقع القوات الجورجية في الإقليم، مناشداً الحلفاء في الغرب التدخل لوقف"الاعتداء الوحشي"الروسي على بلاده، ومعاقبة موسكو. في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية ان دباباتها ومدفعيتها"دمرت"امس، مواقع جورجية في محيط مدنية تسخينفالي، فيما اكد الرئيس ديميتري ميدفيديف"حق"موسكو في"ضمان الأمن والاستقرار في منطقة القوقاز"، متوعداً بالانتقام لمقتل مواطنين روس في المواجهات في اوسيتيا الجنوبية. وتحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن عمليات"تطهير عرقي"تمارسها تبليسي في الإقليم، لتغيير طبيعته السكانية، محذراً من"أخطار أزمة إنسانية"بسبب"تزايد عدد النازحين"من اوسيتيا الجنوبية الى اوسيتيا الشمالية التابعة للاتحاد الروسي.