كانت "الحياة" أول صحيفة عربية ودولية تدخل القصر الرئاسي في نواكشوط عشية انقلاب آب اغسطس 2005. وقتها أكد العقيد محمد عبدالعزيز أن الجيش لا يرغب في الاستئثار بالسلطة بل أنه عازم على ترك الساحة أمام الفاعليات السياسية للتطبيع مع توجه ديموقراطي كان بعيد المنال في عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. يومها قال العقيد محمد عبدالعزيز إن موريتانيا لا تحتمل أي مجازفة وإن الجيش سيكون حارساً للديموقراطية من دون أن يكون طرفاً في صراعاتها. أمس عاد محمد عبدالعزيز الى الواجهة. لم يعد عقيداً، فقد رقي الى درجة جنرال. والراجح أن ترقيته كانت شراء لحيازة دعمه، كونه المهندس الرئيسي للانقلاب الذي جاء برفيقه العقيد أوعلي ولد محمد فال الى رئاسة الدولة ومجلس العدالة قبل اعتزاله طوعاً. بيد أن عودته لم تكن وفق مصادر موريتانية مطلعة بسبب القرار الذي اتخذه الرئيس المنتخب الشيخ ولد عبدالله، وانما بهدف الحدّ من النفوذ المتزايد الذي أصبح يتمتع به مناصرون سابقون للرئيس المخلوع معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذين تمكنوا من اعتلاء الواجهة والتغلغل في دواليب الدولة. ما أصبح من وجهة نظر مقربين الى المؤسسة العسكرية يشكل تهديداً للدولة. وتقول المصادر إن اشارات عدة صدرت في هذا الاتجاه لتنبيه الرئيس ولد عبدالله الى مخاطر الاستسلام لتغلغل أنصار معاوية من دون جدوى. من هذه الاشارات الاتجاه نحو سحب الثقة من الحكومة ثم انسحاب برلمانيين من كتلة الحزب الحاكم الذي يدعم الرئيس. في الآونة الخيرة برزت خيارات أمام موريتانيا للتغلّب على الصعوبات، كان أقربها الدعوة الى انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، يمكن أن يترتب عليها انتخاب رئيس جديد وفق مقتضيات الدستور، أو معاودة النظر في التحالفات السياسية التي أعادت وجوها قديمة الى السلطة. وساد اعتقاد بأن الاتجاه الغالب هو الذهاب بالولاية الاشتراعية الى نهايتها في ظل اجراء تعديلات حكومية والتقليص من نفوذ الموالين للرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع. إلا أن قرار الرئيس الشيخ ولد عبدالله إقالة قادة الجيش والحرس الرئاسي والدرك، أفاض الكأس. وتقول مصادر مطلعة إنه لم يكن أمام الجنرال محمد ولد عبدالعزيز خيار إلا الاستسلام لقرار الإقالة وما يمكن أن يترتب عنها من تداعيات، أو معاودة عقارب الساعة إلى رقابة الجيش في انتظار تمديد جديد للفترة الانتقالية، كون فترة الثلاث سنوات التي مرت على انقلاب آب لم تكن كافية لوضع القاطرة على سكة الانطلاق الحقيقية. تضيف المصادر أن"مجلس الدولة"الذي اصدر البيان الرقم واحد لتعليق قرارات الرئيس الذي اطيح به سيواجه صعوبات خارجية في تقبل الضرورات التي حتمت عودة الجيش إلى الواجهة، إلا أن تجربته السابقة في التعايش مع الانتقادات التي احتواها عبر تسريع وتيرة نقل السلطة إلى المدنيين، تشكل مرجعية قد يلوذ نحوها هذه المرة ليظهر حركته بمثابة خطوة تصحيحية وليس انقلاباً على الديموقراطية، إلا أن الأمر يتطلب دعماً من الشارع الموريتاني وتحديداً الأحزاب السياسية التي بدت أمس موزعة بين ولاءين، فيما احتمى الجيش بالقصر الرئاسي رمزاً لسلطة يقول إنه يحميها من أعداء حقيقيين ومحتملين. ثمة رجال بدوا خارج اللعبة يمكن أن يلعبوا أدواراً وفاقية، وفي مقدمهم العقيد أوعلي ولد محمد فال الذي قد ينزع عنه رداء العسكر ويرتدي بدلة مدنية على مقاس التجربة الموريتانية.