تحت سماء بيروت، وفي ظلّ الثورة الفلسطينية المعاصرة، اجتمع المثقفون الفلسطينيون للمرة الأولى في حياتهم في بيروت، حيث لم يسبق أن جمعتهم عاصمة عربية أخرى. كان ذلك في السبعينات، عندما جاء محمود من القاهرة الى بيروت. تعارفنا للمرة الأولى عام 1973 في دار العودة للطباعة والنشر، ولم يستغرق ذلك وقتاً، فقد كان محمود، قارئاً ذكياً، اضافةً الى موهبته الشعرية الكبيرة. ومنذ ذلك العام، وحتى عام 2000، استمرت صداقتي العميقة معه. كنا في بيروت نأكل معاً، ونسهر معاً، ونتجادل في السياسة والشعر، ومصير وطننا المشترك فلسطين، بل كنت حليفه الأساسي في معاركنا الثقافية والسياسية الفلسطينية. كان يقرأ قصائده لي قبل نشرها، وكان يستمع الى ملاحظاتي النقدية، ويُصغي اليها بصمت. دارت الأيام، وتناثرنا في المنافي الجديدة بعد بيروت. ذهب الى باريس، وذهبت الى الجزائر، وكنا على رغم البعد، نلتقي في مناسبات عدة. وحين عدنا معاً الى عمان في أول التسعينات، كنا نلتقي في منزله. وفي يوم من الأيام وقعت خصومة ملتبسة بيني وبينه، لعب دوراً كبيراً فيها بعض صغار المخبرين الصحافيين، فلا هو عاتبني، ولا أنا عاتبتُه... ليني عاتبتُه، ليته عاتبني. جاءني الخبر، فأصبت بصدمة، وتساقطت دموع، انه خسارة كبرى للشعب الفلسطيني، وللشعر العربي الحديث.