يحتفل الشعب الفرنسي يوم الاثنين المقبل بعيد الحرية والمساواة والأخوة. ومن بين ضيوف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته السيدة أسماء. فهل سيطبق الرئيس السوري هذه المبادئ في العلاقة مع الشقيق لبنان؟ التشكيك كبير نتيجة تاريخ الديبلوماسية السورية التي لم تعترف يوماً بدولة لبنان. وتقول أوساط ساركوزي إن العمل جاد لتحسين العلاقة السورية - الفرنسية وأن العمل الايجابي يجري على رزمة شاملة، أهم عناصرها اعتراف سورية بلبنان وسيادة قراره وتبادل السفارات معه والعمل على استقرار الوضع الأمني الخ... لكن لو نظر ساركوزي الى ديبلوماسية فرنسا في العهد السابق، لرأى أن قطيعة الرئيس جاك شيراك مع دمشق لم تكن وليدة مزاج. فهو كان أول من فتح باب قصر الاليزيه للرئيس بشار الأسد في عهد والده الرئيس الراحل حافظ الاسد. وبعد أن خلف والده دعاه شيراك في زيارة دولة الى فرنسا ورافقته زوجته، وكانا موضع حفاوة كبرى من شيراك وزوجته برناديت التي استضافت أسماء الأسد في القصر بحضور السيدة نازك زوجة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعمل شيراك على توطيد العلاقة مع الاسد الأب ثم الابن من منطلق أنهما سيتيحان للبنان أن يتنفس وأن ينتعش، وأن يتمكن صديقه الرئيس الحريري أن ينفذ برنامجاً اقتصادياً وسياسياً طموحاً لانعاش لبنان بحيث تنتعش سورية ايضاً من انتعاشه ايضاً. إلا أن الرئيس الحريري دفع ثمن خطأ تقديره من حياته وجرى ما جرى وأدرك شيراك أن العمل مع دمشق غير ممكن. فدمشق لا تعترف بلبنان سيد ومنتعش. ودمشق تريد تحرير الجولان وقيادة المسار السلمي مع اسرائيل باسم سورية ولبنان. فهي تدعو الى تحرير مزارع شبعا وتقول إنها أرض لبنانية لكنها لم تعترف يوماً بأنها لبنانية. والرئيس الراحل حافظ الأسد كان يكرر أمام وزراء خارجية فرنسا من رولان دوما الى ألان جوبيه أن روابط الشعبين الشقيقين العائلية بمثابة ارتباط جبل قاسيون بسورية، أي أنهما جزء واحد. واليوم وبعد استشهاد الرئيس الحريري وباسل فليحان ورفاقهما والزملاء الأحباء جبران تويني وسمير قصير وبيار أمين الجميل ووليد عيدو ونجله وفرانسوا الحاج وجورج حاوي والشهداء الذين سقطوا برفقتهم، ماذا يأخذ ساركوزي من الأسد مقابل هذه الحفاوة والاستقبال؟ يقول ساركوزي إن الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز هنأه على دعوة الأسد الى فرنسا. وربما رئيس حكومة قطر وصديقه الشيخ حمد بن جاسم شجعه وهنأه على هذه الدعوة، كما فعل الحريري مع شيراك. وأمير قطر من بين ضيوف الشرف الى احتفالات ذكرى الثورة الفرنسية. وهو يستحق ذلك كونه رعا اتفاق الدوحة الذي سهل انتخاب الرئيس ميشال سليمان. لكن مقابل ماذا تمت دعوة الرئيس الأسد؟ هل سيقدم الاسد لساركوزي الافراج عن الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت الذي يحمل الجنسية الفرنسية من اجل تعزيز شعبية الرئيس الفرنسي الضعيفة داخلياً؟ هل يعطيه دوراً في المسار السوري - الإسرائيلي؟ هذا ما يطمح إليه ساركوزي. فهو يحب ديبلوماسية"الخبطات"وهو عازم، كما يقول، على الحصول من سورية على احترام حرية القرار وسيادته في لبنان وتبادل السفارات بين البلدين. وساركوزي يحاول عبر هذه الديبلوماسية فصل سورية عن إيران، كما يقول، على المدى الطويل. ولا شك أن هذا الرهان طموح وساذج لأنه ليس مبنياً على درس تاريخ العلاقة السورية - الإيرانية. الا أن ساركوزي يراهن على أنه سيكون أكثر معرفة ممن سبقوه، وأنه سيحصل على الكثير من سورية. وهو قد يحصل على وعود بالنسبة إلى لبنان تتحول كما حصل في الماضي إلى حبر على ورق. فقد يعطي ساركوزي إذا حصل على الافراج عن شاليت تطمينات للأسد بعدم تسييس عمل المحكمة الدولية وأن المماطلة فيها ممكنة، علماً أنه لا يمكن التراجع عنها. فهناك ما يمكن القيام به كي تطول أو يتم حلها مثلما تم حل قضية لوكربي. هذا رغم أن باريس تؤكد أن لا تراجع عن المحكمة التي دفعت فرنسا لإقامتها. فساركوزي تنقصه خبرة سلفيه ميتران وشيراك مع نظام دمشق، كما تنقصه خبرة القيادة السورية الحكيمة بالالتزامات والوعود التي لا تنفذ. فهو رغم كل ما قيل له عازم على التقدم مع سورية، فإسرائيل تنصحه بذلك والحليف الأميركي لم يمنعه عن ذلك. فهرولة فرنسا نحو سورية تظهر أن قيم باريس رئيسة الاتحاد الأوروبي وحليفتها الإدارة الأميركية في الحرية والمساواة والاخوة والديموقراطية تطبق فقط على شعوبها، أما بالنسبة إلى الضفة الجنوبية من المتوسط، فأين هي؟