يعتبر النظام التعليمي في كندا خلاصة للنظامين التربويين الانغلوفوني والفرنكوفوني، وهو بحسب تصنيف منظمة اليونيسكو في تقريرها السنوي لعام 2007"الاكثر تقدماً". ومع ذلك يعاني هذا النظام ظاهرة الرسوب المزمنة والمتفشية على رغم أن الحكومة وضعت الكثير من الخطط والبرامج التعليمية ورصدت الموازنات الضخمة للحد من هذه الظاهرة. لكن تلك الجهود كلها لم تفلح حتى اليوم في إحداث تغيير نوعي أو اجتراح حلول ثورية تحول دون المزيد من حالات الرسوب"المأسوية"ليس على فئة الطلاب وحدهم وإنما على الامن الاجتماعي ايضاً. وفي مذكرة أرسلتها لجان الأهل في مدارس مونتريال الى وزارة التربية في كيبك تطالب فيها بكشف الاسباب الكامنة خلف ظاهرة الرسوب المدرسي، طرح سؤال رئيس: هل العلة في النظام التربوي أو في البرامج التعليمية أو في الاساتذة أو في الطلاب؟ ولفتت المذكرة الى صعوبة إبقاء التلامذة في مدارسهم حتى نهاية المرحلة الثانوية، والى ان نسبة الرسوب المرتفعة تصل احياناً في بعض الصفوف الى 85 في المئة وان 5 من 7 مدارس تشكو من هذه الظاهرة وأن تلميذاً من اربعة يغادر قاعة الدراسة خلال العام من دون شهادة ابتدائية أو ثانوية وأن ربع الطلاب يجدون صعوبة في التأقلم مع البرامج التعليمية. وتعلق ديان كورسي رئيسة لجنة مدارس مونتريال الكاثوليكية بقولها انه"امر مثير للدهشة وصدمة لا تصدق وكارثة تربوية". اما بيار بوتفان الخبير في شؤون الرسوب المدرسي فيلقي اللوم على"نهج الحكومة البيروقراطي في التعليم". ويرى ان معالجة الرسوب تبدأ من"دور الحضانة مروراً بالمرحلة الابتدائية الى الثانوي والى ما قبل الجامعة وأن أي معالجة في نصف الطريق ليست حلاً مثالياً". اما احصاءات وزارة التربية في كيبك فتشير الى نسب وصفتها بأنها"دراماتيكية"في المرحلة الثانوية وما قبل الجامعية سيجيب. وتشير تلك الإحصاءات إلى أن لدى 30 في المئة من طلاب الثانوي صعوبات في المعارف الاساسية و27 في المئة يرسبون و40 في المئة في مدارس التأهيل للبالغين و33 في المئة في المدارس المهنية و61 في المئة في ال"سيجيب"وأن نسبة الذكور الراسبين 39 في المئة مقابل 30،3 للاناث وأن اكثر من 5 آلاف طالب وطالبة في 15 مدرسة ثانوية تركوا الدراسة بين عامي2006 و2007 من دون شهادة. وتعلق وزيرة التربية ميشيل كورشين على هذه النسب بقولها:"الرسوب معضلة مزمنة لكن ليس من السهل معالجة مسألة بهذه الخطورة في عام واحد". وكشفت كورشين عن مجموعة من التدابير يجرى تنفيذها مطلع العام المقبل، من اهمها استحداث برامج تأهيل خاصة علمية ومهنية نظامية تسمح للطلاب بين سن 17 و24 الذين انقطعوا عن الدراسة بالحصول على شهادة ثانوية او مهنية تخولهم متابعة دراستهم الجامعية او ولوج سوق العمل وإعادة النظر في اختيار المعلمين والمعلمات والاستعانة بخبراء نفسيين واجتماعيين في كل مدرسة. وثمة من يرمي كرة الرسوب في اتجاهات عدة تارة صوب الأهل وتارة نحو الطلاب وأخرى تطاول المعلم أو المدرسة وصولاً الى النظام التربوي برمته. فالطلاب في نظر البعض يظنون ان المدرسة هي للمتعة والتسلية وإضاعة الوقت، يدخلون اليها كسياح ويغيبون عنها متى يشاؤون. ويوجه البعض الآخر اللوم الى المعلم ويتهمونه بضعف الشخصية، أو عدم الكفاية واللامبالاة بضبط مخالفات الطالب ومعالجتها. اما اولياء الطلاب فتوجه اليهم سهام الاهمال اكثر من غيرهم، كنظرتهم السلبية الى المدرسة الرسمية، وعدم اكتراثهم لغياب ابنائهم وتخلفهم عن التواصل مع الهيئة التعليمية وحضور الاجتماعات التربوية وعدم مشاركتهم في انتخابات لجان الاهل. والى ذلك ثمة اعتقاد سائد في اوساط بعض اولياء الطلبة ان الامتحانات الاسبوعية والفصلية والنهائية التي تضعها الهيئة المركزية للتربية، وهي موحدة لكل المدارس، ترهق الطالب وتشكل عبئاً على طاقاته العقلية والنفسية، علماً انها مبرمجة زمنياً وتجرى في اجواء حرة هادئة لا يشوبها الخوف أو الترهيب وتتميز بالشفافية والانضباط بعيداً من الغش والتلاعب، فضلاً عن ان الاسئلة متعددة واختيارية وأن المحظورات لا تتعدى نطاق استعمال الآلة الحاسبة والاستعانة بالقواميس والمدونات اليومية.