عندما كان الولد الصغير يتسلل خلف ظهر أمه، المنهمكة في أعمال المطبخ، ويفك لها شريط المئزر، فيسقط أرضاً، وتبدأ هي بالصراخ... لم يكن يعلم أن لذلك المئزر الملطّخ بالأوساخ تاريخاً عريقاً وموثّقاً في مراجع كثيرة، وأن له تأثيراً كبيراً في عالم الموضة والأزياء. ومع انتشار آلة الغسل، أو الغسالة، والنشّافة، تراجع استخدام المآزر في المهن، كما في الأعمال المنزلية. وذلك لسهولة غسل الثياب التي كانت وظيفة المئزر، منذ ظهوره، في القرن الثاني عشر، أن يحميها من الاتّساخ، لئلاّ يعاد غسل الثياب القليلة التي كان يقتنيها المرء، في تلك الأيام. والحق أن المئزر المربوط حول الرقبة يشير، حديثاً، أي منذ منتصف القرن العشرين، إلى أن مرتديه يعمل نادلاً في مطعم أو في خدمة المنازل، وغير ذلك من أعمال يقابل في المرء الأوساخ على أنواعها... أو أنه يعد الشواء للمعازيم. وظهر في المسلسلات التلفزيونية، حول خصور ربات المنازل... ثم خفت"تألّقه"التلفزيوني، لينحصر ظهوره في بعض مظاهر الحياة اليومية. ودخل المئزر عالم الأزياء في أوقات صعبة كانت فيها الأموال شحيحة. ففي مطلع القرن التاسع عشر، لم يكن الناس يقتنون ملابس كثيرة. ولم يكن لديهم غسالات ونشّافات. وكان من الصعب عليهم غسل الثياب مراراً. لذا اقتضى أن يرتدوا ملابسهم ليومين متتاليين أو أكثر. ولم يكن مستغرباً أن ترتدي سيدة الفستان نفسه طوال أيام الأسبوع، قبل أن تغسله. ومن هنا، اعتلى المئزر خشبة الأزياء والملابس، لرد الأوساخ عنها. وهذا ما يسّر للمرأة عملية غسل الثياب، فاستطاعت غسل المئزر يومياً، والفستان كل أسبوع. وأصبح لدى ربة المنزل متسع من الوقت للانصراف إلى أعمال أخرى. وغير ربات المنازل، شكل المئزر ملبساً لأساتذة المدارس والأطفال، وأصحاب المحال التجارية، والحلاقين والجزّارين والبوّابين، والبنّائين، ولكل منهم لون ميّز وظيفته... وحتى السكرتيرات في المكاتب كنّ يرتدين أشكالاً مختلفة من المآزر فوق ثيابهن. وكانت وظيفة المئزر واحدة تأمين الحماية للملابس من تحته. وحديثاً، ظهر المئزر المضاد لأشعة"أكس"لموظفي المختبرات، ومآزر البلاستيك... وكان يُصنع المئزر من أكياس الحبوب والطحين السميكة التي كان يستخدمها المزارعون، بين عشرينات القرن العشرين وثلاثيناته. في تلك الأيام، لا شيء يذهب سدىً. كل شيء كان يعاد استخدامه، أو"رسكلته"، حسب المفهوم البيئي الحديث. وقبل ذلك، كانت الصحافة المكتوبة قد تناولت الدور الذي يلعبه المئزر في تصميم الأزياء، ومن بين المصممين البارزين آنذاك، الذين استوحوا تصاميمهم منه، الفرنسية جانْ - ماري لانفان، Lanvin 1867 - 1946. وفي مقالات نشرتها"نيويورك تايمز"الأميركية، مطلع القرن العشرين، أشير إلى دور المئزر في عالم الموضة. ومنها مقال في كانون الأول ديسمبر 1908، يتحدّث عن المئزر المزركش والمطرّز وعلاقته بفساتين السهر. ومقال آخر في أيلول سبتمبر 1910، يتحدّث عن عودة المئزر إلى الموضة، والثياب لكل المناسبات. ومقال ثالث، نُشر في 17 آذار مارس 1918، يتناول المصمم البريطاني تشارلز فريديريك وورث 1826 ? 1895، الذي يُعتبر أب التصاميم الراقية،"هوت كوتور"، ونزوعه إلى المعاطف القصيرة حتى الخصر، مقابل ميل الفرنسية لانفان إلى المئازر وتنوّعاتها. وورد في هذا المقال الأخير:"... المئزر شكَّل بدعة جديدة، تعمّدت لانفان إلى تقديمها وإبرازها. وجاء ذلك على شكل ثوب ذي ثنيات، ينسدل فوق تنورة، من الخصر حتى الركبة. وهو أشبه بالمآزر التي ترتديها الجدات. وذهبت لانفان في جرأتها إلى تطعيم المئزر بقماش التافتا، وألقت عليه شالاً من الموسلين. وفي حين استخدمت ألواناً زاهية، بقي اللون الأسود سائداً فوق التنانير الملوّنة. وأما شريط ربط المئزر حول الخصر، فجاء ضيقاً، مدروزاً في وسط الزي، محلّ الحزام...". وفي 2005، تناولت مجلة"وول ستريت جورنال"الأميركية، المتخصصة في أسواق المال والبورصة، موضوع المئزر"والنضهة التي يشهدها، كاسترجاع لموضة -"شيك"قديمة، في الولاياتالمتحدة.