لا شك في ان الإنترنت يبدو للصحافة "فرصة" مؤاتية وإيجابية ولكن المهنة تحمله على تهديد مخيف، وتتهمه بانحرافات تؤخذ عليها. وثمة مثالان على الانحرافات هذه في الصحافة الفرنسية: نشرت"لونوفيل أوبسرفاتور"، الأسبوعية الورقية، رسالة سريعة مزعومة من الرئيس الفرنسي الى زوجته السابقة، ثم اعتذرت عن الزعم الكاذب، وأذاعت محطة أوروبا 1 نبا وفاة سياسي معروف وهو حي يرزق. وعزت الأسبوعية ومحطة الإذاعة الخطأين الى الإنترنت. وعلاقة الصحافة بالشبكة مزدوجة. فمن وجه، تعمد الصحف الى تقوية طبعاتها"على الخط"، ولكنها، من وجه آخر، تعزو هذا الى الضرورة المكروهة. ويتراءى للصحافيين انهم محاصرون، وأن محاصريهم هم البرابرة أهل الإنترنت، والمدونون، وأرذل من هؤلاء وأولئك،"المعلقون". ويتمسك الصحافيون بپ"مقاومتهم". وذهب مدون ? صحافي اميركي، جوشوا ميكاه مارشال، اخيراً، الى ان الإنترنت يتهدد فعلاً الصحافيين، ولكنه يعف عن الصحافة، ولعله من بشائر مستقبلها الواعد. وقبل سنوات قليلة، شاع شعار"الصحافي المواطن"، وخلاصة الأمر ان تمكن الناس، من غير تمييز، بث معلومات على الشبكة يؤدي الى جعل الصحافيين بمنزلة الطفيليات. ففي وسع الناس كلهم ان يكونوا صحافيين ولا حاجة الى محترفي الصحافة. وتلاشى الزعم سريعاً. فإذا لم يقتض نشر صورة أو تعليق مهارة ما، فليس صحيحاً ان تحقيق الخبر ومقارنة مصادره، وترتيبه في سياق، وتزيين قراءته، في متناول أول عابر سبيل. وقد يكون أهل الإنترنت مصادر أخبار ثمينة. فبعد يومين من مقتلة فيرجينياتيك، في ربيع 2007، كان في وسع من شاء قراءة مادة تامة على موقع ويكيبيديا. وتناولت المادة وصف الحادثة، وإطارها، واجتماعيات المدينة الصغيرة التي حصلت فيها، الخ. وأسهم 2000 مصدر في صياغتها وبلورتها. وهذا ما ليس في مستطاع صحيفة يومية مقارعته. وحين يشب حريق عظيم في الغرب الأميركي، من يتقدم الآخر في التغطية: الصحافي الذي يركض الى اطراف الغابة، حاملاً دفتر ملاحظاته وقلمه، ويشاهد الحريق، ويراسل صحيفته، أم الموقع الذي يتلقى مئات الرسائل من مئات المراقبين؟ وعليه، ليس في مقدور الصحافة الإشاحة عن الإنترنت. فهذا بمنزلة الانتحار. فهو حقل مغامرة واختيار لا يحد ولا يحاط به، وفي سبيل الانتفاع به لا بد من استعماله على نحو آخر. فمنذ اليوم، اندمج النص بالصوت والصورة. والورق الإلكتروني، قريباً، يزاوج العوامل الثلاثة، والكلام على"مقال"لن يعتم ويصبح غير دقيق. فالمقال لن يستمر منتجاً مكتملاً وقائماً بنفسه. وهو أكثر فأكثر جزء من سيرورة من غير ابتداء ولا ختام، فهو"مقال2. صفر"، ويولد من فكرة عرضت لأحد مستعملي الإنترنت، أو في مناقشة أحد المنتديات، وقد يعمد صحافي الى مناقشتها مع قرائه، فيتطوع بعضهم، وهم من الأخصائيين في المسألة، ويساعدونه على التقصي، وفي ختام هذا الفصل، يعمد الصحافي الى كتابة مقال، أو صيغة أولى من مقال، وينشره على موقع صحيفته على الشبكة، أو في صحيفته الورقية. وليس هذا آخر مطاف المقال، فالقراء يعلقون، ويدلون بملاحظاتهم وتعليقاتهم وتعديلاتهم. ويبادر الكاتب الى الرد. ويضيف تعديلاته وإيضاحاته. وقد يكتب تتمة. فالصحافة لا تعلو القارئ، ولا تشرف عليه من عليائها، بل هي محادثته ومحاورته. وصحافة المحادثة ليست وهماً. فهي، منذ اليوم، اختبار محترفين كثر ارتضوا مزاولة حرفتهم على نحو جديد. فالمبادلة أفقية، وهي تتيح في موضوعات كثيرة، موارد لا تحصى ومادة تقصٍ معمق. وهذا لا يؤذن بموت الصحافة بل بثرائها، وبقربها من المواطن. عن باسكال ريشيه، موقع"رو 98"الإلكتروني، 25/6/2008