عادت الحرب في العراق الى صلب الجدل الانتخابي الأميركي في ظل محاولة المرشح الديموقراطي باراك أوباما الانتقال الى موقع الوسط بتخليه عن خطة سحب القوات خلال 16 شهراً وتأكيده أهمية الأخذ في عين الاعتبار الظروف على الأرض، وتفسير اليمين المحافظ ومرشح الحزب الجمهوري جون ماكين هذا التحول برهاناً على تراجع الديموقراطيين واقرارهم بنجاح خطة الادارة في العراق. وفتحت المفاوضات حول الاتفاقية الأمنية بين العراقيين والأميركيين، ومن ثم مطالبة رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي واشنطن بوضع جدول زمني للانسحاب، النقاش في موضوع الانسحاب. وحاول أوباما خلال الأسابيع الأخيرة الانتقال الى موقع الوسط وبعد انتهاء الانتخابات التمهيدية للحزب حيث القاعدة الانتخابية من الليبراليين في مقابل هيمنة خط الوسط على الانتخابات العامة. وقال خلال مؤتمرين صحافيين متتالين وفي خطابه أول من أمس في مركز وودرو ويلسون، إنه سيستشير القيادة العسكرية في موضوع الانسحاب، وشدد على أن مهلة الستة عشر شهراً التي حددها للمزايدة على مواقف منافسته السابقة هيلاري كلينتون لسحب كل القوات، تبقى "هدفاً مبدئياً" انما "غير الزامي". وفيما أغضبت هذه المواقف القاعدة الليبرالية للحزب التي بدأت الاستعداد لتظاهرة ضد الحرب خلال المؤتمر الحزبي نهاية الصيف، أتت متجانسة مع التحول في الرأي العام الأميركي حيال موضوع الحرب وبعد انجازات حققتها الخطة الأمنية وانخفاض نسب العنف خلال السنتين الأخيرتين. ويعكس الاستطلاع الأخير ل "واشنطن بوست - آي بي سي" الذي أفاد أن 49 في المئة من الأميركيين لا يؤيدون خطة أوباما سحب القوات خلال فترة 16 شهراً، و47 في المئة منهم يفضلون ماكين لتولي قيادة الحرب وربط أي انسحاب بالتطورات على الأرض. ويستفيد ماكين من رصيد طويل في السياسة الخارجية، وجلوسه لأكثر من 20 سنة على مقاعد لجان العلاقات الخارجية والتسلح في الكونغرس الأميركي، في مقابل أربع سنوات خبرة فقط لأوباما في هذا المجال. غير أن المراقبين يؤكدون أن الخطوط العريضة لسياستي أوباما وماكين تختلف باطارها الايديولوجي والعملي. ويرى المعلق في مجلة "تايم" جو كلاين أن البارز في التصريحات الأخيرة لأوباما، ليس تبدل موقفه بل اصراره على الانسحاب واعادة تأهيل القوة العسكرية الأميركية والتركيز على التحديات في أفغانستان وباكستان، المحور الاستراتيجي للحرب على الارهاب. ويؤيد هذا المبدأ تيار وسطي داخل الحزبين الجمهوري والديموقراطي من أبرز أسمائه السناتور تشاك هاغل الذي سيرافق أوباما الى العراق الأسبوع المقبل، وريتشارد لوغار، ومفكرين من المدرسة الواقعية مثل وزير الخارجية السابق زيبغنيو بريزنسكي. وأضفى أوباما على خطابه الأخير، أفكارا كان قد تبناها بريزنسكي مثل التشاور مع الأطراف الاقليمية وبينها ايران وسورية لضمان استقرار العراق قبل أي انسحاب.