رفضت الخرطوم في شدة أمس اتهامات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو للرئيس عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الانسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور راجع الإطار، وقررت مناهضتها، واعتبرتها مؤامرة لاطاحة حكم البشير، محذرة من تداعيات الخطوة على اتفاقات السلام واستقرار الأوضاع في البلاد. وخرجت تظاهرات طلابية في وسط الخرطوم مردّدة هتافات مناهضة للولايات المتحدة والدول الغربية ومساندة للبشير، فيما نصحت السفارات الغربية مواطنيها بالحدّ من تحركاتهم غير الضرورية، ورفعت الأممالمتحدة من مستوى اجراءاتها الأمنية وأجلت بعض موظفيها، وشهدت شركات الطيران ازدحاماً من الأجانب الذين يرغبون في مغادرة البلاد، وعلّقت بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلام"يونميس"والبعثة الأممية الافريقية فى دارفور"يوناميد"انشطتهما يوماً. ورفض نائب الرئيس علي عثمان طه في مؤتمر صحافي اتهامات أوكامبو إلى البشير، ورأى انها تفتقد إلى السند القانوني ووصفها بأنها ضعيفة و"قنبلة دخان"، وتُعد استكمالاً لهجوم متمردي"حركة العدل والمساواة"على أم درمان في أيار مايو الماضي من أجل اطاحة حكم البشير، وتشجيع المتمردين في دارفور على مواصلة الحرب واضعاف السلطة واسقاطها. وأعلن طه أن حكومته ستناهض اتهامات اوكامبو سياسياً وديبلوماسياً لأنها تؤثر على استقرار الأوضاع ومستقبل اتفاقات السلام في جنوب البلاد وغربها وشرقها، ويتعدى أثرها السودان إلى المحيط الاقليمي وستفتح الباب واسعاً أمام اكبر اضطراب فى العلاقات الدولية. وسخر من تجميد أرصدة البشير ومصادرة ممتلكاته، وقال إنه لا يملك غير منزل أسرته المتواضع في منطقة حوش بانقا في ولاية نهر النيل في شمال السودان. وطالب طه الأممالمتحدة بتعطيل اتهامات ادعاء المحكمة الدولية، موضحاً أن حكومته لديها اتصالات مع الصين وروسيا ودول أخرى في مجلس الأمن من أجل ذلك، مؤكدا التزام الخرطوم باتفاقاتها مع المنظمة الدولية وتعهدها بتأمين المنظمات العاملة في البلاد، لكنه حذر من أن حكومته سيكون لها موقف آخر في حال اتخاذ مجلس الأمن أي خطوة تضر بمصالح بلاده. وأضاف أن حكومته شكلت خلية أزمة لادارة المعركة سياسياً وقانونياً وديبلوماسياً وستعمل مع القوى السياسية لبلورة رؤية وطنية لأزمة دارفور وتعزيز التراضي الوطني والاستمرار في خطوات اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. وثمّن مواقف الأحزاب وخصوصاً"الحركة الشعبية لتحرير السودان"شريكة المؤتمر الوطني في السلطة. وقالت"الحركة الشعبية"في بيان إن اتهام البشير سيؤثر على استقرار السودان واتفاق السلام الذي وقعته في 2005 لكنها طالبت بتسوية أزمة دارفور وايجاد طريقة للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وكان الادعاء قال في مذكرته إن"قوات وعملاء"تحت قيادة البشير قتلوا ما لا يقل عن 35 ألف مدني كما تسببوا ب"موت بطيء"لما يتراوح بين ثمانين ألفاً و265 ألفاً شرّدهم القتال. وجاء في المذكرة:"ارتكب البشير من خلال أشخاص آخرين إبادة جماعية ضد قبائل الفور والمساليت والزغاوة في دارفور من خلال استخدام جهاز الدولة والجيش وميليشيا الجنجاويد". وبالاضافة الى طلب القبض على البشير طلب الادعاء من المحكمة مصادرة ممتلكات الرئيس السوداني وتجميد أرصدته. ومن المتوقع أن يستغرق القضاة بضعة أسابيع أو شهور للبتّ في قرارات الاعتقال الجديدة. وحذّرت رويترز أحزاب المعارضة السودانية أمس من أن صدور أمر دولي بالقبض على الرئيس البشير سيزعزع استقرار السودان، علماً أن كثيرين من رموز المعارضة السياسية كانوا رحّبوا بالمحكمة الجنائية الدولية حين أصدرت أمراً بالقبض على الوزير أحمد هارون وقائد ميليشيا متحالف مع الحكومة علي كوشيب العام الماضي بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وقال حزب الأمة المعارض إن صدور أي لائحة اتهام بحق رئيس الدولة سيؤدي الى انهيار دستوري في السودان. أما الحزب الاتحادي الديموقراطي المعارض فقال إنه يرفض تسليم البشير الى المحكمة الجنائية الدولية. وقال الناطق باسم الحزب تاج السرّ محمد صالح إن الأمر سينعكس بصورة سيئة جداً على عملية السلام في دارفور وفي الجنوب. وحتى حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، الخصم اللدود للبشير، قال إن نموذج جنوب افريقيا للجنة الحقيقة والمصالحة هو السبيل للمضي قدماً. وأعرب بشير آدم رحمة، أمين الأمانة السياسية للحزب، عن اعتقاده بأنه اذا تم حل مشاكل دارفور فسيمكن حل كل الأمور ذات الصلة. وفي دمشق ا ف ب، استنكرت حركة "حماس" طلب اصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني، واعتبرت ان مؤسسات الأممالمتحدة تحوّلت "إلى دمى" في يد الولاياتالمتحدة.