يحاول مقربون من رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري التخفيف من اعتبار مصادر في الأكثرية سفره الى الخارج مؤشراً الى تمديد أزمة تأليف حكومة الوحدة الوطنية، عبر التنحي عن الدور الذي كان يلعبه لإيجاد حل للعقبات التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة العتيدة، خصوصاً على صعيد المعارضة، وتحديداً زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون. ومع ان المقربين من بري يؤكدون أن غيابه عن البلد لن يؤثر سلباً في الاتصالات الجارية لإنجاز تشكيل الحكومة، باعتبار ان معاونه السياسي النائب في حركة"أمل"علي حسن خليل ينوب عنه في المشاورات، وهو يأمل بأن يصار الى تذليل العقبات في اليومين المقبلين من دون الدخول في التفاصيل والأسباب المؤخرة للتأليف، فإن مصادر الأكثرية سألت عن العلاقة بين سفر بري والجهود التي قام بها لدى عون والتي لم تثمر عن نتائج إيجابية على رغم أن الأكثرية قدمت كل التسهيلات لاستيعاب اعتراضات رئيس تكتل"التغيير والإصلاح". كما سألت المصادر نفسها ما إذا كان لغياب بري عن لبنان علاقة بتفادي حركة"أمل"اتخاذ موقف واضح من الذين يستمرون في وضع العراقيل لمنع تأليف الحكومة، مع ان رئيس المجلس لم يقصر في إجراء الاتصالات اللازمة في كل الاتجاهات للمساعدة على تجاوز كل العقبات، خلافاً لپ"حزب الله"الذي يؤكد تضامنه مع عون في السراء والضراء ولا يبدي حماسة للضغط عليه، لدفعه الى تعديل موقفه. واعتبرت المصادر ان ليس صحيحاً ما يقال من أن أزمة التأليف لن تطول وان بري على استعداد لأن يقطع زيارته ويعود الى بيروت في حال تلقيه إشارات تدعو الى التفاؤل بأن الانفراج بات مؤكداً وان ولادة الحكومة ستتم في خلال ساعات، خصوصاً ان بري كان يتوقع الإعلان عن الحكومة مساء الجمعة الماضي قبل أن يتلقى اتصالاً لإبلاغه ان نسبة التفاؤل أخذت تتراجع. ولفتت الى أن الخبر اليقين عن الجهة التي نسفت الجهود لإنهاء أزمة التأليف هو عند الرئيس بري شخصياً إضافة الى حليفه"حزب الله"، خصوصاً ان الأكثرية، ومن خلالها رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة أظهرا مرونة في التعاطي مع الرغبة التي أظهرتها المعارضة في اجتماعها الأخير بدعوة من بري وفي حضوره إضافة الى الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله وعون والوزير السابق سليمان فرنجية. وأضافت المصادر ان اجتماع قيادات المعارضة انتهى على أساس التمسك بإعطاء عون حقيبة الاتصالات إضافة الى إسناد منصب نائب رئيس الوزراء الى"التيار الوطني الحر"بشخص اللواء عصام أبو جمرة، وان فرنجية تولى نقل العرض بهذا الخصوص الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي تشاور مع السنيورة وقيادات في الأكثرية. وتابعت ان الأكثرية وافقت لتسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف، على تقديم كل التسهيلات بما فيها إسناد حقيبة الاتصالات الى ممثل عن تكتل"التغيير والإصلاح"شرط أن يتخلى عون عن حقيبة الأشغال العامة. وأكدت مصادر الأكثرية ان معظم أطراف المعارضة، وعلى رأسهم بري وپ"حزب الله"أخذوا يتصرفون على أن المشكلة انتهت، الى أن فوجئوا لاحقاً بمطالب جديدة لعون وفيها إصراره على الأشغال العامة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والصناعة، الى جانب الاتصالات. وأعربت المصادر عن تفهم الأكثرية موقف بري بعدم إحراج عون، لا سيما لجهة عدم المبادرة الى تحديد المسؤول عن نسف التسوية في اللحظة الأخيرة مع انه كان غمز أمام زواره قبل أن يغادر الى اسبانيا من قناة"بعض حلفائه"، مؤكداً انه مع تخلي عون عن الأشغال العامة لأن من دون ذلك يختل التوازن في توزيع الحقائب بين الأكثرية والمعارضة. وأوضحت المصادر أن قوى أساسية في المعارضة ليست في وارد التخلي عن تحالفها مع عون من أجل توفير الأجواء له ليظهر أمام الشارع المسيحي غير ملحق بأحد وانه يلزم الآخرين بمواقفه وبالتالي أخذ يتصرف على أنه الآمر الناهي في تأليف الحكومة وانه وحده المقرر عند المسيحيين باعتبار ان رئيس الجمهورية لا يحظى بتمثيل شعبي. وأشارت مصادر الأكثرية الى انها لم تعد تعرف ماذا يريد عون، فهو يعتبر أن عودة السنيورة الى رئاسة الحكومة ما هي إلا مشروع حرب وانه جاء بقرار أميركي، ليعود لاحقاً الى القول إن معركته مع السنيورة هي على خلفية استرجاع الصلاحيات العائدة لرئيس الجمهورية ثم يؤكد ان لا علاقة للأخير بتأليف الحكومة. وسألت المصادر عن الأسباب التي دفعت عون الى تفسير تطبيق اتفاق الدوحة على مزاجه، ومن أين استحضر ما سماه اتفاقاً على زيادة عدد الحقائب السيادية بإلحاق وزارة العدل بها، أو الموافقة على إقرار البرلمان التقسيمات الإدارية الخاصة بالدوائر الانتخابية قبل تأليف الحكومة، إضافة الى قول مسؤولين في التيار انهم كانوا ضد نقل المقعد الخاص بالأقليات من دائرة الأشرفية الى الدائرة التي تضم رأس بيروت والمزرعة وطريق الجديدة مع ان ممثل التيار في لجنة الانتخابات المنبثقة من مؤتمر الحوار الوطني حصر اعتراضه في توزيع المقاعد المخصصة للأرمن. كما سألت المصادر من أين أحضر بعض القوى في المعارضة ما سمته المحاضر الخاصة بالمداولات التي أجريت في الدوحة وفيها انه تم الاتفاق على إعطاء عون حقيبة سيادية خلاف ما تناقلته الأكثرية عن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى من أن الاتجاه يقضي بإسناد الداخلية الى وزير حيادي وان يترك لرئيس الجمهورية اختيار وزير الدفاع على أن تسند الخارجية بناء لرغبة"أمل"وپ"حزب الله"الى شيعي ما يعني ان المال ستعطى الى السنّة. وكشفت المصادر ان عون قرر أن يخوض معركة شخصية ومباشرة مع السنيورة، تارة بذريعة أنه يصادر صلاحيات رئيس الجمهورية، وتارة أخرى بذريعة انه يسعى الى تحجيمه. وقالت إن الهدف من وراء حملاته توفير مناخ في الشارع المسيحي لتجاوز الحوادث الأخيرة والإيحاء بأن السنّة وراء افتعال الاشتباكات وإحضار السلاح، وان تفاهمه مع"حزب الله"كان في محله وأدى الى تجنيب المناطق المسيحية التوترات المتنقلة من منطقة إسلامية الى أخرى. واعترفت المصادر بأن كان من الأفضل التفاوض مع المعارضة بالجملة بدلاً من المفرق، وقالت إن الأكثرية قدمت كل التسهيلات لتشكيل الحكومة بحسن نية وتأكيداً لالتزامها اتفاق الدوحة باعتبار أن ما يهمها إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة وتفعيلها وإنجاح عهد الرئيس سليمان في الأيام الأولى من توليه الرئاسة. وأضافت أن الفريق الآخر، أو معظمه على الأقل، لم يتعامل مع الأكثرية بالروح الانفتاحية نفسها وانه أخذ يفاوض على اساس خذ وطالب، وان كان من الأجدى أن يطلب من المعارضة ان تتقدم الى السنيورة بعرض نهائي تضمنه تصورها لتأليف الحكومة العتيدة بدلاً من أن تنجر الى لعبتها مع انها راهنت على أن إعطاء حقيبة الاتصالات لعون سيسقط الذرائع التي يتسلح بها وفي المقابل يتيح لحلفائه التحرك للضغط عليه، وهذا ما لم يحصل حتى الساعة. وأكدت المصادر ان"أمل"وپ"حزب الله"بعد أن ضمنا حصتيهما في الحكومة، أخذا يتفاوضان في المرحلة الأولى نيابة عن عون الى أن مهدا الأجواء أمام التواصل مباشرة بين الأخير والسنيورة من خلال مسؤول العلاقات السياسية في"التيار"جبران باسيل ومستشار السنيورة السفير محمد شطح.