عرضت في الصالات الأوروبية في الآونة الأخيرة أفلام عدة تناولت العلاقة الجدلية بين الأب والابن، شاهدنا من بينها ثلاثة أفلام أحدها نروجي والثاني بولندي أما الثالث فمن سلوفينيا. الفيلم النروجي هو"ميروش"من إخراج ماريوس هولست، ويحكي عن الصبي ميروش وهو في الخامسة عشرة مات أخوه في وطنهما كوسوفو فيقرر السفر بمفرده إلى النروج بحثاً عن والده الذي كان هجر أسرته عندما كان ميروش طفلاً صغيراً وهو الآن صاحب مطعم في أوسلو. أقدم ميروش على هذه الخطوة الجريئة لأنه كان في حاجة ماسة الى وجود أبيه في حياته، كان في حاجة إلى حنانه ورعايته. وعلى رغم انه لا يتذكره تماماً فإنه بعد أن رسم له صورة مثالية في خياله رآه في صورة أخرى مختلفة تماماً عن تلك التي رسمها له. رآه تحت ضغط كبير وتتهدد حياته بالانهيار إذ كانت لديه علاقات بالمافيا الألبانية وهي الآن تلاحقه. لم يكشف الابن في البداية هويته لأبيه، ولكن تصيبه الصدمة والغضب عندما يقول له الأب ان ليست لديه أسرة. ويأتي المشهد الذي يتواجهان فيه ويدور بينهما حوار ساخن وجارح. وكانت النتيجة ان هذا الابن الذي كان يتمنى حب أبيه وسافر بصورة غير شرعية كادت تعرضه لمخاطر جمة من اجل لقائه، وثار من داخله عندما رأى أباه يتزوج بأخرى متناسياً تماماً زوجته الطيبة التي تركها ترعاه وأخاه بمفردها، كانت النتيجة انه قام بإبلاغ المافيا عن مكان تواجد الأب. وينتهي الفيلم نهاية مفتوحة إلى حد ما لكننا نستطيع أن نقرأ فيها أن رجالات المافيا الألبانية ستقضي على حياة الأب. تميز هذا الفيلم بمونتاج موفق تناسب مع كل من المشاهد اللاهثة الأخيرة وتلك المعتدلة الأولى التي شهدت رحلة سفر ميروش والتي قابل والده فيها للمرة الأولى، وأتت الإضاءة دقيقة بصورة ملحوظة أما أداء كل من الأب وبخاصة الابن فهو حال من الإبداع، حيث عبر الممثل الإبن بمقدرة سهلة ممتنعة عن مشاعر احتياجه إلى الأب وأيضا عن مشاعر سخطه عليه. الفيلم البولندي فهو"خداع"للمخرج اندريه ياكيموفسكي، ويحكي عن طفل في السادسة يعيش في الخيال والأحلام ويؤمن بقوة أن سلسلة الأحداث التي يصنعها بنفسه الى جانب خدعه التي يتقنها ستقربه من أبيه الغائب. وفي سبيل هذا لا يتوانى عن ابتكار بضع أكاذيب بيضاء والتسكع الدائم في محطة القطار لعله يجد والده. وتساعده أخته ذات السابعة عشرة على إيجاد بعض الرجال الذين من المرجح أن يكون أحدهم أباه على سبيل المزاح، يشاهد الطفل في محطة القطار رجلاً يستطيع بالكاد ان يلحق بالقطار للذهاب إلى المدينة التالية، ويرى الطفل أن هذا الرجل هو أبوه الذي لم يعرفه أبداً بعد أن هجر أمه منذ سنوات. فما كان منه إلا أن يدفع هذا الرجل تقريباً إلى الذهاب للمحل الذي تمتلكه أمه بخدعة جديدة كل مرة، لكن الخدعة كانت تفشل أحياناً في شكل كوميدي. المفارقة الطريفة هنا أننا نعرف في النهاية أن هذا الرجل يتسكع أيضاً في المحطة، لعله تسكع للبحث عن شخص آخر هو في حاجة إليه. يتمتع الفيلم بحس كوميدي خفيف ومحبب وتصويره الجيد لأجواء المدن البولندية الصغيرة التي أكد المخرج على ملامحها على مدار أحداثه. وفي الفيلم السلوفيني"نجم صغير"للمخرج ميتود بيفيش، تتواجد صورة الأب الحاضر الغائب. فالصبي البوسني أمير، في الثالثة عشرة، يعاني عدم التواصل مع أبيه الذي لا يفيق أبدا من شرب الكحول، علاوة على انه موهوب في العزف على"الفيولينة"ويعشق الموسيقى الكلاسيكية لكن أباه يرفض انخراطه في المجال الموسيقي، ببساطة لأن الموسيقى لا تعني له حتى الآن سوى نوع من الترفيه في بارات الغجر. وعوضاً عن الأب يتبنى الفتى فنياً أحد الموسيقيين الكبار في سلوفينيا وبعد هذا تتولى زوجته رعاية الفتى فنياً أيضاً. وتميز هذا الفيلم بتكوينات بديعة وتجسيد الاختلاف الواضح بين حياة الأثرياء متمثلة في الرفاهية التي تعيشها أسرة الموسيقار الكبير والفقر المدقع الذي تعانيه أسرة أمير. پ