تستعد فرنسا لترؤس الاتحاد الأوروبي وسط إرباك واضح مرده الى رفض الارلنديين لمعاهدة لشبونة، لتحديث المؤسسات الأوروبية. والمظاهر الاحتفالية التي ستلفّ فرنساوباريس تحديداً، ترحيباً بهذه الرئاسة التي تستمر ستة أشهر، لا تخفي الانزعاج القائم في الوسط الرسمي الفرنسي من جراء الواقع المستجد. فالرفض الارلندي للمعاهدة، أدى الى خربطة جدول الأعمال والأولويات التي كانت السلطات الفرنسية حددتها، والى انتكاسة يتوجب التعامل معها. فالأعلام الأوروبية سترفرف في أنحاء باريس الى جانب العلم الفرنسي خصوصاً عند قوس النصر، أعلى جادة الشانزيليزيه، وبرج إيفل سيضاء ليلاً باللون الأزرق الذي يرمز الى أوروبا، طوال مدة الرئاسة الفرنسية. ولكن على رغم مظاهر الابتهاج، يدرك الجميع التعثر والتعقيد الذي يواجهه مسار تطوير البنى الأوروبية وترسيخها لجعلها أكثر فعالية، خصوصاً أن عدد أعضاء الاتحاد الأوروبي بات 27 دولة. وقد يكون الفرنسيون من أكثر الشعوب تفهماً للموقف الذي اعتمده الارلنديون، اذ سبق أن رفضوا المعاهدة الدستورية الأوروبية عندما عرضت عليهم في استفتاء أجري عام 2005. ويعتبر أوروبيون كثر المسار الأوروبي بمثابة مسار مبهم ويحمّلونه مسؤولية المشاكل والأزمات التي يعانون منها اقتصادياً واجتماعياً. وهذا ما جعل السلطات الفرنسية تتجنب طرح معاهدة لشبونة على الاستفتاء مجدداً، والمصادقة عليها، عبر القناة البرلمانية. ويجد الرئيس نيكولا ساركوزي نفسه اليوم ملزماً بفعل ترؤسه الاتحاد الأوروبي بتطويق ذيول الرفض الارلندي للمعاهدة. وهو حاول فور صدور نتائج الاستفتاء الارلندي التخفيف من شأنه، وتأكيد عزمه على تعزيز دور أوروبا ومقدراتها خلال فترة رئاسته للاتحاد. وأثناء عرضه للكتاب الأبيض حول الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لفرنسا، أشار ساركوزي الى أن وظيفة أوروبا تقضي ب"تجسيد نموذج السلام والحرية في العالم بمعزل عن الإشكالات المؤسساتية". وأقرّ بوطأة الرفض الارلندي للمعاهدة الأوروبية خلال زيارة قام بها الى تشيخيا مطلع الأسبوع الماضي، حيث أعلن أن على الأوروبيين العمل لمواجهة الآثار المترتبة على الرفض الارلندي للمعاهدة، داعياً في الوقت ذاته للنظر الى الأمور بواقعية، خصوصاً أن 19 دولة صادقت حتى الآن على المعاهدة. ويشكل الموقف الارلندي الى حد ما انتكاسة شخصية لساركوزي الذي كان استخدم وزنه منذ توليه رئاسة فرنسا قبل عام للتوصل الى المعاهدة المبسطة التي أقرت في لشبونة، وحلت محل المعاهدة الدستورية التي رفضها الفرنسيون والهولنديون. وهو مضطر الآن الى مراجعة أولوياته وإحلال قضية ارلندا في المرتبة الأولى، وتخصيص الجهد لمعالجتها على حساب المواضيع التي كان اختار العمل عليها خلال ترؤسه الاتحاد، وأبرزها: وضع استراتيجية تنمية مستدامة، وإقرار عقد أوروبي حول الهجرة، وإحياء السياسة الدفاعية الأوروبية المشتركة، وإصلاح السياسة الزراعية الموحدة.