دعت فرنسا والمانيا الجمعة إلى مواصلة عملية المصادقة على معاهدة لشبونة، غير ان رفض الايرلنديين لها شكل ضربة للرئاسة الفرنسية المقبلة للاتحاد الاوروبي وزعزع المشاريع التي كان الرئيس نيكولا ساركوزي يعتزم اطلاقها في تموز - يوليو. واعربت باريس وبرلين في اعلان مشترك عن "اسفهما" لتصويت الايرلنديين برفض معاهدة لشبونة في استفتاء نظم الخميس، مع الاشارة إلى ان المصادقة على المعاهدة "انجزت حتى الآن في 18دولة". واعلن البلدان "نأمل بالتالي ان تواصل الدول الاعضاء الاخرى عملية المصادقة". وذهب وزير الدولة الفرنسي للشؤون الاوروبية جان بيار جوييه إلى حد القول انه "محبط" ازاء الرفض الايرلندي قبل ان يعود عن هذا التصريح ويرى ان "اوروبا ليست معطلة ولا في ازمة" معتبرا "انه حادث". وسارع قصر الاليزيه إلى الاعلان ان "الاولويات الاربع التي حددها الرئيس ساركوزي للرئاسة الفرنسية تتناول الجوهر ويمكن تحقيقها في اطار معاهدة نيس بالرغم من الرفض الايرلندي". غير ان اوغو برادي من "مركز الاصلاح الاوروبي" الذي يتخذ من لندن مقرا له رأى ان الرئاسة الفرنسية المقبلة للاتحاد الاوروبي باتت "غارقة في البلبلة التامة". وحذر من ان "القمة الاوروبية في 19حزيران - يونيو التي ستعقد في ظل الرئاسة السلوفينية ستفتتح في اجواء متأزمة". وكان ساركوزي وعد قبل الاستفتاء الايرلندي بتركيز رئاسته للاتحاد الاوروبي على مشاريع كبرى هي الدفاع، والطاقة والاحتباس الحراري، والاتحاد المتوسطي ومعاهدة حول الهجرة. كما كان الرئيس الفرنسي يعتزم التحضير لاولى الاصلاحات المؤسساتية المدرجة في معاهدة لشبونة مثل تعيين "رئيس الاتحاد الاوروبي" وممثل اعلى جديد لسياسة الاتحاد الخارجية، وهي مهام اسقطها الاستفتاء الايرلندي من جدول الاعمال. ومن المفارقة ان باريس هي التي يتحتم عليها اليوم تجنيب الاتحاد الاوروبي شللا مماثلا لذاك الذي عقب الرفض الفرنسي للمعاهدة الاوروبية عام 2005.وكما في السابق، فإن الاتحاد الاوروبي لم يضع اي خطة بديلة. وقال اوغو برادي ان "الفرنسيين سيسعون للخروج من هذه الفوضى، لكنهم لا يملكون الكثير من الوقت اذ ان رئاستهم تستمر خمسة اشهر اذا ما اخذنا بعين الاعتبار عطلة شهر اب - اغسطس". وذكر الخبير بأنه بعد الرفض الفرنسي الذي تلاه رفضا هولنديا، "لم يصدر اي رد فوري وتقرر لزوم فترة تأمل ولم يتم القيام بأي شيء لفترة". وفي المقابل، رأى جان دومينيك جولياني من معهد روبرت شومان ان هذه السابقة ستدفع الرئاسة الفرنسية إلى "الاسراع" في التحرك. وقال ان "ساركوزي سيواجه المشكلة وسيسرع المبادرات. سيقول: ليتقدم من يشاء، لكن احدا لن يمنعنا من التقدم". وتابع "سيقال للايرلنديين "اي ضمانات تريدون؟" كما حصل بالنسبة لمعاهدة نيس" التي سبق ورفضوها في مرحلة اولى، مشيرا إلى ان "رد فعل حاد سيحمل الايرلنديين على تحديد ما يريدون". غير ان توماس كلاو من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" اعتبر ان هذا لن يحصل الا اذا قامت الازمة بين ايرلندا من جهة وجميع شركائها ال 26من جهة اخرى ولفت إلى انه "اذا اوقفت بريطانيا والجمهورية التشيكية بدورهما عملية المصادقة، فسوف يفتح النقاش الدستوري برمته من جديد بدون اي حل في الافق". إلى ذلك اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السبت انه "يجب مواصلة عملية المصادقة" على المعاهدة الاوروبية "بشكل لا تؤدي فيه واقعة ايرلندا الى ازمة". وقال ساركوزي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الاميركي جورج بوش في قصر الاليزيه ان رفض ايرلندا للمعاهدة الاوروبية يشكل "صعوبة اضافية". واضاف "انه واقع سياسي، لقد اعطى الشعب الايرلندي رأيه ويجب ان نقبل ذلك". وكان الايرلنديون رفضوا بنسبة 53.4% في استفتاء جرى الخميس المعاهدة الاوروبية مقابل تأييد 46.6%. من جهة أخرى وفي أعقاب الرفض الايرلندي الذي حصدته معاهدة لشبونة الأوروبية فإن رئيس البرلمان الأوروبي، السياسي الألماني هانز بوتيرنغ قد دعا إلى إيقاف توسيع الاتحاد مؤقتا. وعبر تصريح بهذا الصدد لصحيفة "بيلد" أوضح بوتيرنغ وجهة نظره قائلا "طالما بقيت المعادة الأوروبية غير سارية المفعول فلا يمكن الاستمرار بالتوسيع ربما باستثناء كرواتيا" مضيفا "أن كلمة" لا "التي قالها الايرلنديون قد دفعت بالاتحاد إلى مأزق". وفي ذات الوقت تطرق السياسي الأوروبي إلى موضوعة ما اسماه "النواة الأوروبية" وذلك في محاولة للبحث عن مخرج للازمة الحالية التي أطاحت بجهود وأحلام عدد من الحكومات الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا أملا منها في إنجاز ملف المعاهدة الإصلاحية التي كان من المفترض أن تحل محل معاهدة الدستور الأوروبي بصيغته القديمة والتي باءت بالفشل أعقاب رفض مماثل على يد الفرنسيين والهولنديين في الماضي القريب. واستطرد السياسي المحافظ بوتيرنغ موضحا "نحن بحاجة إلى نقاش حول مستقبل أوروبا. وستلعب فكرة مفادها أن هناك نوعين من السرعة تتحرك بها أوروبا، تكون فيها النواة المؤلفة من بعض الأعضاء هي التي تسير حثيثا، ستلعب تلك الفكرة دورا في النقاش القادم" مستدركا "لكنني أفضّل بطبيعة الحال أن تسير كافة دول الاتحاد معا (بنفس السرعة) على طريق مستقبلها المشترك".