نساء كثيرات وجدن أنفسهن في عائلة الحاج متولي، المسلسل المصري الشهير الذي عرض على الشاشة المغربية وشاشات عربية منذ بضع سنوات. المتزوجات، والضرائر، والمهددات بضرة أولى أو ثانية، ورافضات تعدد الزوجات، والمقبلات على الزواج، والحالمات به. المسلسل جمع كل هذه النماذج، فتماهت مع نساء الحاج متولي نساء كثيرات. أما الحاج متولي، الرجل الاستثنائي الذي توافرت له سبل العيش الرغيد بكفاحه وثقته بنفسه، وراح يكثر من النساء ب"نجاح"منقطع النظير، فقد بات بطلاً أسطورياً في نظر الرجال، في زمن عز فيه الزواج من واحدة. حقق المسلسل أعلى نسب المشاهدة في المغرب، وطرح نموذج الحاج متولي الجدل الساخن من جديد حول موضوع تعدد الزواج في مجتمع يعيش تغيرات عميقة في القيم والإمكانات الاقتصادية للأفراد. وعلى رغم أن نمط الحياة العصرية وضغوطها المادية قلّص هامش الرجال المزواجين والميالين للتعدد، فإن متولي ظلّ يداعب هوى جلّ الرجال، حتى أولئك الذين لا ينظرون إلى التعدد من زاويته الدينية. ومن سنة إلى أخرى، تتراجع معدلات الزواج المتعدد في المغرب، حتى أضحت اليوم لا تتجاوز ألف حالة في بلد يسكنه حوالى 33 مليون نسمة، ولهذا ربما يبدو موضوع المسلسل مناسباً أكثر لمجتمعات عربية أخرى تعيش المشكل على نطاق أوسع، مثل المجتمع المصري أو الخليجي، ولكن سخونة النقاش حول المسلسل لدى عرضه في المغرب لم تكن بأخف مما أشعله السجال في دول عربية أخرى. مسألة التعدد، وإن تراجعت في الواقع، فإنها لا تزال متجذّرة في أذهان الكثير من الرجال، وپ"متولي"ظهر فجأة وأحيا فينا جذوة الحنين إلى التعدد بصوت مرتفع"، يقول أحمد، 67 عاماً، متذكراً جده الذي تزوج سبع نساء"في القرية طبعاً في عشرينات القرن الماضي". ولم يفت الكهل الذي يشرف على الشيخوخة أن يبدي حسرته على تلك المرة التي تزوج فيها بثانية، فانقلبت عليه الأولى، وطالبته بالطلاق إلى أن طلق الأخرى، مخافة أن يضيع استقرار أبنائه. وأما عمر، وهو رجل تعليم في الأربعين، فيذكر أن عرض المسلسل جاء متزامناً مع زواجه، وأصبح متولي"ضرة"لزوجته في عقر البيت:"كنا ننهي اليوم متخاصمين، كلما انتصرت لخيارات الحاج متولي". هكذا أضاف"الحاج متولي"الحطب لحياة زوجية صعبة البدايات، لأن عمر كان يستفز زوجته من حين لآخر، ملوحاً بالاقتداء بالرجل المزواج، حتى يكسر شوكتها، وپ"تعود إلى رشدها"، لكنها في النهاية"عادت إلى بيت أبويها"، وكادت حياتهما الزوجية تتحطم، وبالطبع ليس بسبب تأثير الحاج متولي، وإنما لأن المسلسل أضاف زيتاً على نار متّقدة وحسب. ومع أن نموذج الحاج متولي يُقدَّم كحل للعنوسة، إلاّ أن فاطمة 35 سنة، موظفة غير متزوجة، ترفض أن يتم طرح تعدد الزوجات كحل لحالتها، وتقول إن الرجال المغاربة فهموا خطأ المسلسل، لأنهم"توقفوا عند حال الحاج متولي المزواج، ووجدوا له المبررات، وغضّوا الطرف عن أبنائه الذين اتخذوا موقفاً رافضاً من هذا التعدد، وقرروا بناء حياتهم الأسرية في شكل مختلف، وهؤلاء هم من يمثلون الواقع، وما يجب أن يكون". والواقع يحضر، وقد يغيب في المسلسلات العائلية، وفي الحالين، يصبح الممثلون والعلاقات القائمة بينهم، والمواضيع والقضايا المطروحة في المسلسل عموماً، جزءاً من واقع المشاهدين. يتفاعلون مع الأحداث، ويتناقشون حولها، ويتأثرون بها في وقت من الأوقات، سلباً وإيجاباً، وتخبو مع انتهاء المسلسل، ليبدأ خيال أو واقع آخر في عمل درامي جديد، وينسج المشاهدون من جديد علاقاتهم بممثلين آخرين وقضايا أخرى، ولكن التأثير الفعلي للمسلسلات والأفلام العائلية ينتج بالتراكم، مع مرور الوقت واستهلاك القيم والعلاقات والمشكلات المطروحة في هذه الأعمال، ويكون أبرز على النشء والمراهقين."