طاول الانقسام اليسار الهندي، بعد ثبوت تورط أشخاص مقربين من الحكومة الشيوعية، بغرب ولاية البنغال الهندية، بأعمال عنف وقتل واغتصاب استهدفت الفلاحين المعارضين. ويدور انقسام اليساريين الهنود على مسألة أخلاقية جوهرية. فبضعهم يدعو الى التضامن في وجه معسكر اليمين، والى التغاضي عن جرائم الحكومة اليسارية واليساريين، وبعض آخر يدين مثل هذه الجرائم، ويرفض التستر عليها بذريعة التضامن والحفاظ على تماسك اليساريين ووحدتهم. والحق أن دور الأحزاب اليسارية الهندية كان راجحاً في البنغال الغربية وكيرالا، بعد الاستقلال. وانقسم الحزب الشيوعي في نهاية الستينات، اثر اندلاع الحرب الصينية ? الهندية، في 1964. والحزب الحاكم اليوم في البنغال الغربية هو"الحزب الشيوعي الهندي الماركسي"الموالي للنظام الصيني والمعارض للديموقراطية القومية. وعلى رغم أن هذا الحزب قبل تدريجاً انتهاج البرلمان آليات ديموقراطية، لم يتراجع عن تبني الممارسات الستالينية، ولم يدنها. وفي 1977، فاز هذا الحزب في الانتخابات في البنغال الغربية، وبقي في الحكم، الى يومنا هذا. ولم تنجح الحكومات الشيوعية الهندية في تحسين عيش الفقراء في كيرالا والبنغال الغربية، على رغم تطبيقها برنامج استصلاح الأراضي. ويتجنب الصناعيون الاستثمار في الولايتين لتفادي الصدام مع النقابات العمالية النافذة. وعلى خلاف الوضع في بنغال الغربية، طور الحكم الشيوعي في كيريلا النظام التعليمي والقطاع الصحي، وخفّض نسبة التسرب المدرسي، وأمّن وجبة غذائية يومية لتلامذة المدارس. وفي البنغال الغربية، بلغت نسبة وفاة النساء في المخاض عتبة مرتفعة، ما حدا بمنظمة الپ"يونيسف"الى قرع ناقوس الخطر والتحذير من آثار غياب العناية الصحية في الأرياف. وحال قطاع التعليم في بنغال الغربية ليس أفضل من القطاع الصحي. فمستوى التعليم مترد بسبب تغيب 20 في المئة من الأساتذة، وتفضيلهم تدريس التلامذة الميسورين في منازلهم. ويتسم نظام الحكم الذاتي في مجلس القرى في بنغال الغربية بالديكتاتورية. ويسوق"الحزب الشيوعي الماركسي"ناخبين أميين الى الانتخابات، ويتلاعب بأصواتهم في مراكز الاقتراع. وكرّس هذا الحزب النفوذ الطبقي والطائفي في الحكم، عوض تقويضه. وتتحدر النخبة الحاكمة من أسر هندوسية تنتمي الى علياء القوم والعائلات الإقطاعية. ولا شك في ان أبرز مشكلة تواجهها ولاية البنغال الغربية هي سوء ظروف الزراعة الريفية. وتذليل هذه المشكلة لا يكون من طريق تطوير القطاع الزراعي، ورفض إرساء نظام صناعي زراعي يوفر فرص عمل للسكان. ونجاح نظام صناعي زراعي هو رهن تدريب السكان، واكتسابهم مهارات تخولهم ركوب قطار هذا النظام. وتفتقر البنغال الغربية الى معارضة سياسية تنافس"الحزب الشيوعي الماركسي"على الحكم. وفي 2007، قررت حكومة هذه الولاية إنشاء مصنع سيارات تابع لمجموعة"تاتا غروب"في كولكاتا، وهي منطقة زراعية خصبة ومزدهرة. وأيّد خبراء في الاقتصاد والتنمية من أمثال أمارتيا سن هذا المشروع. فشركة السيارات هذه تراعي قوانين العمل والتوظيف العادل. ولكن المواطنين رفضوا هذا المشروع، ونظموا تظاهرات كبيرة طالبوا الحكومة بنقل مشروعها الى أراض قاحلة، على مقربة من المدينة. ورفضت الحكومة التفاوض مع المواطنين. وتُراكم حكومة"الحزب الشيوعي الماركسي"الأخطاء. فهي لا تحتكم الى القضاء وحكمه العادل. فعلى سبيل المثال، لم تحرك السلطات ساكناً لحماية شاب مسلم تزوج بشابة هندوسية، على رغم طلب الزوجين حماية الشرطة وتلقيهما تهديدات جدية. فقُتل الشاب المسلم، رزونور رحمن، على مقربة من سكة الحديد. وزعمت الشرطة أن رحمن انتحر، وأغلقت ملف التحقيق قبل ابتدائه. وتسترت الحكومة على الشرطة، وأيدت ممارساتها. وبعد اندلاع موجة احتجاجات على حكم الشرطة، أعاد جهاز"سي بي سي"، وهو نظير وپ"كالة الاستخبارات الأميركية"الهندي، فتح التحقيق. وفي 2006، أعلنت الحكومة مشروع إنشاء مصنع كيماوي غرب كولكاتا، ودعت شركة إندونيسية الى المباشرة في تنفيذه. فخاف الأهالي ترحيل الحكومة لهم عن أراضيهم، وخسارة أعمالهم ومصادر رزقهم. فانتفضوا، وسيطروا على عدد من القرى، وطردوا منها مؤيدي"الحزب الشيوعي الماركسي". وفي 14 آذار مارس 2007، زعمت الحكومة أن متمردين ماويين إرهابيين لجأوا الى هذه القرى، وأنهم يعدون العدة للهجوم على الحكومة. فأوكلت الحكومة الى قوات الحزب وكوادره شن حملة عسكرية قاسية على هذه القرى. ولم تستعن بقوى الجيش النظامي أو بالشرطة. وراح ضحية الحملة 14 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، قتلوا برصاصات أصابتهم من دبر. وحظرت الحكومة على المستشفيات استقبال الجرحى ومداواتهم. وغضت النظر عن عمليات الاغتصاب والاعتداء الجنسي. ومنع الحزب الشيوعي الماركسي الصحافيين من دخول المنطقة، على رغم شيوع أخبار تناقلها الناس عن اعتداء دوريات الحزب على المدنيين، وترويعهم، واغتصاب النساء. وفي نهاية الربيع، أمرت المحكمة العليا قوات الأمن النظامية ببسط سيادة القانون على هذه القرى، ورفضت طلب الحكومة تكليف القوات الحزبية بهذه المهمة. وفي تشرين الثاني نوفمبر 2007، تردت الأوضاع الأمنية مجدداً، بعدما أمر"الحزب الشيوعي الماركسي"قوات الشرطة بالانسحاب من هذه القرى، واستأنف مقاتلوه الاعتداءات على الأهالي. فتصدى حاكم بنغال الهندية، غوبال كريشنا غاندي، حفيد المهاتما، للحكومة، على رغم شغله منصباً صورياً. وأعلن أن ما يجري في نانديغرام يخالف القيم الإنسانية، ويخرج على القواعد السياسية المدنية. ودعا الى إجراء مفاوضات سلام، والى إرساء الأمن والاستقرار. واعترض قادة"الحزب الشيوعي الماركسي"على مبادرة غاندي، واتهموه بتجاوز صلاحياته. ولكن رئيس وزراء الهند، مانموهان سينغ، سارع الى إعلان تأييده غاندي، ودعا الى وقف الاعتداءات. وبحسب المؤرخة الهندية البارزة، تانيكا ساركار، فاقت اعتداءات نانديغرام مجازر البريطانيين، في 1919، عنفاً وإجراماً. ويرى عدد من اليساريين أن الاحتكام الى معايير أخلاقية في تقويم ممارسات"الحزب الشيوعي الهندي الماركسي"باطل، وأن التضامن بين اليساريين واجب. فالتضامن هو مرادف التستر على الجرائم. وأبرز مؤيدي هذا التيار اليساري هو الأميركي نعوم تشومسكي الذي وجه رسالة نشرت في"ذ هيندو"الى اليساريين. وبعد الإشادة ب"الحزب الشيوعي الهندي الماركسي"، دعا تشومسكي اليساريين الى التوحد والتغاضي عن خلافاتهم والانصراف الى معالجة القضايا المهمة، على غرار الانتهاكات الأميركية بالعراق، عوض الانقسام في الرأي على ممارسات الحزب المحلية. ولكن هل مبدأ التضامن الحزبي ووحدة الحزب يسموان على حق الفرد في العدالة؟ وكانت الحركات اليسارية في القرن العشرين حاولت الإجابة عن السؤال. ويرى اليسار الليبرالي أن هدف سياسات الرعاية إنساني. فهي ترمي الى رفع مستوى عيش الأفراد، والى صون حق كل فرد بالاحترام والحياة الكريمة. وعلى خلاف الليبرالية اليسارية، يدعو اليسار الشعبي أو الجمعي غير الليبرالي، مناصريه الى التضحية بمصالحهم وحقوقهم في سبيل بلوغ الحزب مآربه وتحقيقه قضيته. وهذا الشرخ بين اليسار الليبرالي واليسار الجمعي الموروث من القرن العشرين هو مدار انقسام اليسار الهندي اليوم. عن مارتا سي. نوسبوم،"ديسنت"الأميركية، ربيع 2008