يبدو رفض كثرة الناخبين الإرلنديين إيلاء ثقتهم من انتخبوهم الى تولي الحكم، وذلك في شأن أساسي يقرر حاضرهم وآتيهم، قرينة بليغة على حال الديموقراطية الإرلندية. وعلى خلاف هذا، فهم يولون ثقتهم حلفاً متنافراً يجمع"السين فاين"القومي الاتحادي والكاثوليكي، والكاثوليك المحافظين وناشطي اليسار المتطرف ورجلاً ثرياً حليفاً للمحافظين الجدد الأميركيين ديكلان غانلي. وهذا قرينة لا تقل بلاغة عن الأولى، ومرآة لحياتنا السياسية وطبائع ناخبينا، بينما تتمتع إرلندا ببحبوحة لم تشهد نظيراً لها من قبل. والحق أن على السياسيين السؤال عن علة تأثيرهم الضعيف في جمهور المواطنين. وعلى الناخبين، من ناحيتهم، التساؤل عن عجزهم، أو تحفظهم عن الاستعلام عن مسألة على هذا القدر من الخطورة. ولا شك في أن من حق المواطن الإرلندي الاحتجاج على تحميله المسؤولية عن مستقبل أوروبا، بينما تحجم البلدان الأوروبية الأخرى عن دعوة مواطنيها الى إبداء رأيهم واستفتائهم في المسألة هذه. ويحتج معظم دعاة ال"لا"وهم 35 في المئة نظير 30 في المئة يجيبون بنعم، 35 في المئة من الذين لم يحسموا رأيهم بجهلهم بموضوع الاستفتاء. ويدعو الجواب الى التأمل. وتتهيأ غالبية من المواطنين الى قول"لا"، حين تبدي الغالبية ارتياحها الى الحكومة، ورضاها عن إدارتها وحكمها. وهذا من مفارقات الاستفتاء. فالحزب الحاكم،"فيانا فايل"، كسب ثقة الناخبين. وقد يقترعون لولاية ثانية يتولاها الحزب الذي ينكرون دعوته الى قبول المعاهدة الأوروبية المختصرة. ولكن هؤلاء الناخبين يساوون الحكومة بالمعارضة، ويأخذون برأي تكتل عشوائي من تيارات غير مسؤولة، حين يطاول الأمر مسألة حيوية مثل العلاقة بأوروبا. وسبق أن خسر رئيس الوزراء السابق، بيرتي آهيرن 1997 - 2008، وهو أحد ألمع رؤساء الحكومات منذ إيمون دو فاليرا أحد آباء الاستقلال، استفتاءين، الأول في المسألة الأوروبية 2001 والآخر في مسألة الإجهاض 2002. وليس من قبيل المصادفة أن يكون معظم النخب الحاكمة في صف الخاسرين. فالناخبون يتحفظون، ويغلب عليهم الشك والحذر، حال حظوة رأي أو اقتراح بمساندة الأحزاب والهيئات السياسية، وإجماعها. ولا ريب في أن محض الجمهور ثقته من لا يعلمون عما يتكلمون، وحجبها عن الذين خبروا المسائل السياسية وعركوها، تهور وركض الى الكارثة. وليس الاقتراع على المعاهدة بپ"لا"نهاية العالم. وتترتب عليه نتائج سلبية حتماً. فاتحاد أوروبي معلَّق ليس في مصلحة إرلندا. وقد تتفاقم الأمور وتسوء إذا حسبت الدول الأخرى، أو حسب بعضها، أن لا مناص لها من العمل خارج الأبنية الاتحادية القائمة، ومعالجة مسائل مهمة أخرى تطاول بلدان الاتحاد كلها من غير مشاركة بعض البلدان هذه. فديموقراطيتنا كلها على المحك. ونتائج الاقتراح تحمل على الظن أن حزباً واحداً يحكم دولتنا بينما لا يثق معظم المواطنين بالحاكمين ونهجهم في معالجة القضايا المهمة. عن"آيريش تايمز"الإرلندية، 13/6/2008