"الجيش الجمهوري الايرلندي" ليس جديداً على الارهاب. وضحاياه ليسوا فقط من الانكليز "الاعداء" او "البروتستانت الايرلنديين" المتعاونين معهم. قد يكونون ايضاً من الايرلنديين الكاثوليك مثل عدد كبير من القتلى والجرحى الذين سقطوا في عمليات ارهابية طائشة، كتلك التي حدثت قبل ايام وتساوى البروتستانت والكاثوليك الايرلنديون في الوقوع ضحايا لها، او اقل براءة، من السياسيين الذين يحدث لهم ان يسلكوا درب الاعتدال، لكي لا نتحدث عن الذين قد يخونون وينضمون الى "الاعداء". مايكل كولنز، كان واحداً من ضحايا عمليات الجيش الجمهوري الايرلندي، هو الذي كان واحداً من قياديي ذلك الجيش. كولنز قتل في مثل هذااليوم من العام 1922، في فخ نصبه له مقاتلون في الجيش الجمهوري. وكان الاغتيال عقاباً له على توقيعه يوم السادس من كانون الاول ديسمبر 1921، جنباً الى جنب مع آرثر غريفت على "معاهدة لندن" التي اضفت بعداً رسمياً على عملية تقسيم الجزيرة الايرلندية الى منطقتين تتألف اولاهما من ست مقاطعات منطقة الستر تبقى تابعة للمملكة المتحدة، والثانية من ست وعشرين مقاطعة تؤلف دولة ايرلندا الحرة. يومها وافق مجلس الاعيان الايرلندي على المعاهدة بپ64 صوتاً مقابل 57 صوتاً، اما الاغلبية الساحقة من الجيش الجمهوري الايرلندي فوقفت ضدها، واعتبرت مايكل كولنز، الذي اضحى بالتالي رئيساً لحكومة ايرلندا الموقتة، خائناً وعدواً يجب قتله. خصوصاً، منذ ان اندلعت الحرب الاهلية الايرلندية الطاحنة، اعتباراً من يوم 28 حزيران يونيو 1922، بين انصار المعاهدة، بقيادة كولنز، والمناوئين لها بقيادة دي فاليرا. يوم 22 آب 1922، انتهت حياة كولنز. وحتى اليوم لا يزال الرجل يعتبر شخصاً اشكالياً في تاريخ ايرلندا المعاصر، يشهد على هذا الفيلم الذي حقق عن حياته ونضاله قبل عامين وأثار الكثير من السجال. وهو سجال اتخذ طابع الحدة بسبب تشابه اوضاع ايرلندا اليوم وما كانت عليه ايامها. ففي الحالتين هناك المتطرفون ضد المعتدلين والواقعيون ضد الالحالمين. ومايكل كونلز كان واقعياً، فيما كان الجناح المتطرف في "الجيش الجمهوري" حالماً، لجأ الى العنف والقتل في محاولة لتحقيق احلامه. وها هو التاريخ يعيد نفسه: المعتدلون في الجيش الجمهوري، وقد اصبح جيري آدامز رمزاً لهم، يفاوضون لندن، بينما يزرع المتطرفون الرعب والموت بشكل يلغي اي تعاطف في العالم مع قضيتهم. "مايكل كولنز، ما كان من شأنه ان يخوض الحرب اليوم" كما يقول نيل جوردان، المخرج الايرلندي الذي حقق الفيلم الجديد عن حياة كولنز. لماذا؟ "لأن كولنز كان يعرف ان ما من احد يمكنه ان يخرج منتصراً من اي حرب" وهذا ما دفعه الى "المفاوضة" دافعاً حياته ثمناً لذلك. في البداية كان كولنز "ارهابياً عنيداً" لكنه ذات يوم، وأمام سقوط الضحايا، فكر طويلاً وقال في نفسه: يجب ان نضع حداً لهذا كله. اذ من المستحيل توحيد ايرلندا كاثوليكياً، طالما ان هناك اقلية بروتستانتية ترفض هذا. والحل هو التقسيم. وهكذا توجه الى لندن وقبل مبدأ التفاوض. اختار معسكر الاصلاحيين والحل التفاوضي التدريجي. لكن المتطرفين بقيادة دي فاليرا كانوا له بالمرصاد. وهكذا قامت تلك الحرب الايرلندية - الايرلندية التي حصدت خلال عامين فقط اكثر من 4000 قتيل. اي اكثر من عدد القتلى الايرلنديين الذين سقطوا برصاص الانكليز. والادهى انه حين دعي الشعب الايرلندي لحسم الامور عن طريق صناديق الاقتراع وصوت بكثافة الى جانب المعاهدة والتقسيم، اي الى جانب سياسة مايكل كولنز، رفض ايمون دي فاليرا ذلك.. ويقول المؤرخ الايرلندي جوزف لي، على أي حال ان المعاهدة لم تكن سوى الذريعة للصراع. فالحقيقة "ان المسألة الحقيقية كانت مسألة وجود صراع داخلي، في اوساط الايرلنديين انفسهم بين انصار حق الاغلبية في تقرير المصير، وانصار الحق الالهي، اي بين الديموقراطية والديكتاتورية". وهو الانقسام الذي نجده اليوم في صفوف الايرلنديين. وقع كولنز يومها ضحية لذلك الصراع وضحية لاعتداله. والملفت ان خصمه اللدود دي فاليرا، سيسير بعد سنوات قليلة على نهجه المعتدل ويصبح من دعاة التفاوض. وكان في ذلك انتصار لمايكل كولنز، حققه بعد موته بسنوات.