يحاول مسؤولو الاتحاد الأوروبي التخفيف من ألم الصفعة التي وجهها أكثر من نصف الارلنديين ضد المشروع الأوروبي من خلال رفضهم معاهدة لشبونة، وأمام نظر الشعوب الأخرى وخصوصاً القطاعات الاجتماعية الواسعة التي تواجه صعوبات أزمة ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية. ويقوّم وزراء خارجية بلدان الاتحاد غداً في لوكسمبورغ تبعات ال"لا"الارلندية على مستقبل المعاهدة ومغزى رفضها على الصعيدين المحلي والأوروبي. ويُنتظر أن تطغى مشكلة المعاهدة على مباحثات القمة الأوروبية والتي ستتحول بحكم تداعيات هذا الرفض إلى اجتماع أزمة يومي الخميس والجمعة المقبلين في بروكسيل. وللحؤول دون انهيار الثقة في"البناء المشترك"، سارعت عواصم البلدان الأعضاء، فور إعلان الخيبة الارلندية، الى الدعوة إلى مواصلة مسار المصادقة على المعاهدة، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في مطلع 2009. وأكدت ألمانياوفرنسا في بيان مشترك بأن"معاهدة لشبونة وقعها أعضاء الاتحاد ال 27 وصادق عليها حتى الآن 18 بلداً. وتأملان بأن يواصل باقي أعضاء الاتحاد مسار المصادقة". وشدد البلدان على"قناعتهما بأن الإصلاحات التي تتضمنها المعاهدة ضرورية من أجل أن تكون أوروبا ذات ديموقراطية وفعالية أكثر وقادرة على مواجهة التحديات التي تعترض المواطنين". وأصدرت عواصم الاتحاد مواقف منسجمة في اتجاه استكمال مسار المصادقة. ورفض رئيس الوزراء البريطاني دعوات أنصار الاستفتاء على المعاهدة في بلاده عرض حكومته وثيقة المعاهدة على مجلس اللوردات بعد أن حظيت بمصادقة مجلس العموم. ورأى خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية بأنه"لا يمكن النظر الى نتيجة الاستفتاء بمثابة تصويت ضد الاتحاد الأوروبي". وقال بأن المعسكرين في حملة الاستفتاء"أكدا أهمية الفوائد التي يؤمنها انتماء ارلندا الى الاتحاد". ولا تقتضي اتفاقات العضوية خيار الانسحاب من الاتحاد. وأضاف باروسو بأن القمة الأوروبية ستبحث مع رئيس الوزراء الارلندي بريان كوين"الخيارات الممكنة لمواجهة المشاكل التي دفعت إلى رفض المعاهدة". ورأى البعض في نتائج الاستفتاء تنكر غالبية الارلنديين لجميل الاتحاد الذي وهب بلادهم 40 بليون يورو في غضون ثلاثة عقود، مكنتها من ايجاد الظروف الملائمة لأن تصبح ضمن البلدان الأوروبية الأكثر حيوية في الاتحاد. وردّ عضو المفوضية الأوروبية شارلي ماك غيفري على اتهامات نقص الاعتراف، وقال بأنها"تأويلات خاطئة لأن نتائج التصويت لم تكن موجهة ضد الاتحاد الأوروبي ولها دوافع كثيرة". وذكر بأن بلاده لم تنفرد بمعارضة المعاهدة بل سبقتها الى ذلك فرنسا وهولندا عام 2005، عندما رفضت الغالبية في كل منهما وثيقة"الدستور الأوروبي". ويتميز معسكر الرفض في ارلندا بانعدام انسجامه السياسي والاجتماعي حيث ضم ناشطين من أقصى اليسار واليمين وبعض فئات المزارعين في الأرياف والقطاعات الاجتماعية التي تواجه صعوبات يومية جراء التنافسية في سوق العمل. وذكر خبير أوروبي بأن"القطاعات التي تعاني من صعوبات هيكلية مثل صيادين ومزارعين وعمال يواجهون في المدن ضغط تيارات الهجرة الشرقية والقوميين، وجدوا فرصة لمحاكمة الجهاز التنفيذي في بروكسيل". ويأخذ كثر على المفوضية، حقاً أو خطأ، تقنين جزئيات الحياة اليومية للمواطنين من خلال تحديد ضوابط الإنتاج والاستهلاك والتعليم وغيرها. وفسّر النائب الأوروبي المناهض للمعاهدة نياجيل فاراغ بريطانيا ال"لا"الارلندية بضغط تيارات توافد البولنديين والعمال من جمهوريات البلطيق، وتحول مؤسسات الاتحاد في بروكسيل إلى سلطة فيديرالية تتناقض مع"سيادة الأمم". في المقابل، ذكر النائب دانيال كونبديت حزب الخضر بأن الطبيعة القانونية لوثيقة المعاهدة لا تقبل الاستفتاء العام"لأنه يصعب على رجل الشارع فهمها. إنها نص قانوني يحتوي في كل من فقراته على إشارات إلى بنود في معاهدات سابقة. وكان من الخطأ عرضها في صيغتها القانونيةپعلى استفتاء للرأي العام". ودليل صعوبة قراءة المعاهدة أن عضو المفوضية نفسه ماك غيفري اعترف بأنه لم يقرأ المعاهدة، لكنه شارك في الحملة من أجل المصادقة عليها. الى ذلك، يجمع مراقبون حول اعتبار ال"لا"الارلندية دليلاً إضافياً عن اتساع الهوة بين الرأي العام ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. وهي المرة الثالثة التي يرفض فيها شعب أوروبي معاهدة إصلاح الاتحاد. وتمثل النتيجة إخفاقاً لسياسات التواصل التي وضعتها المفوضية في غضون عامين وأنفقت من أجلها عشرات الملايين من أجل إبراز فوائد الوحدة الأوروبية. بل إن المشروع أصبح يمثل، بفعل تبعات انضمام البلدان الشرقية وتحديات العولمة، خطراً على الفئات الشعبية ذات الدخل المحدود. ويتعرّض باروسو لانتقادات نظراً الى عجز المفوضية في إيجاد الحلول اللازمة لتخفيف حدة أزمة ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية والمحروقات. وهي بدت مقيدة بقواعد التنافسية التي يُمليها اقتصاد السوق، بينما تزداد طوابير الشاحنات وحركات الاحتجاج في أنحاء الاتحاد. وينتظر أن تشهد بروكسيل الأربعاء المقبل، عشية انطلاق أعمال القمة، تظاهرات ضخمة قد تكون عنيفة، تنظمها نقابات قطاعات الشاحنات والمزارعين من أنحاء أوروبا الغربية احتجاجاً على غلاء المحروقات. پ