تسرع الخطوات نحو مدرستها "سكينة بنت الحسين"، واضعة نصب عينيها هدفاً لن تقبل التهاون في تحقيقه، تردّد في نفسها"راقبي قلبك واجعلي الحق هدفك وثقي بأنك قوية لأن الله معك". تعود إلى مخيم الحسين حاملة معها حلمها والكثير من العلم، هناك حيث تقيم في منزل متواضع جدرانه تئن تحت وطأة العفونة، فيما طلاؤها الأزرق يتساقط متهالكاً راسماً"لوحات تجريدية"تومئ إلى معاناة ساكنيه. ترجع سوسن إلى منزلها الذي رحلت عنه والدتها قبل ثلاثة أعوام، إثر نزيف حاد في الدماغ تاركة سبعة أبناء في عنقها. تسخّن طعام الغداء الذي جهزّته ليلاً، وتعدّ المائدة فتجتمع حولها الأسرة، تتحدث إلى اخوتها وتطمئن الى أوضاعهم، وتخبر والدها المتقاعد من وزارة الصحة عن أحداث يومها وتناقشها معه. تغسل الأواني وتعيد ترتيب المكان لتتوجه إلى غرفة لا تتجاوز مساحتها الأمتار المربعة الأربعة حيث تتناثر كتبها، تدرسها وتتعمق بها مستخلصة لذة الفهم. حتى يحل الظلام فتتحايل على والدها وتوهمه بأنها ستتوقف عن الدراسة وتخلد للراحة بعد أن يلح عليها، وما أن يغط في نومه حتى تتسلل إلى غرفة المنزل الأخرى لتوقد فانوساً يبدد ظلمة انقطاع التيار الكهربائي، الذي رافقها طيلة فترة تقديم الامتحانات بعد عجز موازنتهم المتواضعة عن تغطية قيمة الفواتير المتراكمة، وتعود بشغف العاشق الى احتضان كتابها واستنباط أفكاره. تقضي ليلها ساهرة برفقة كتبها التي تعتبرها"سبيلها للإبداع"، تدقق فيها وتحفظ مكنوناتها، حتى يرهق ضوء الفانوس الضعيف عينيها فترخي جفنيها مستسلمة للنوم، إلى أن ينبلج الصبح فتستيقظ يحضها حلمها باعتلاء منصة التكريم التي كانت رأت زميلات سابقات لها يقفن عليها. وهكذا استعرت نيران الإرادة داخلها لتصهر أشد الظروف صعوبة فأنارت دربها للتميز وحملتها على بذل جهود استثنائية لتحقيق حلم ملأ عليها حياتها. تتشابه الأيام والأحداث، ويتكرر وصول سوسن رزق خضر إلى"ميدانها"متلهفة لنهل العلم، تجلس في صفها الذي تنبأت معلمته بأن"يُخرّج أوائل الثانوية هذا العام"، مستنفرة قدراتها الكامنة علّها تُعينها على تذليل صعاب كانت كفيلة بأن تثبط عزيمة أي طالب. إلاّ سوسن التي شغلها التفوق حتى سيطر على أفكارها وجعلها تطوّع طاقاتها لإحرازه، حلّقت فوق المعوقات فرأتها صغيرة، تعاملت مع الواقع بثقة المؤمن فاستجاب لها القدر. انتصرت على الصعوبات بجهد فردي غذّاه دعم الأسرة. فكسبت سوسن جولتها في معترك الحياة مستعينة بسيف الإصرار على أن تدخل الجامعة بمنحة ترفع عبء المصاريف عن كاهل والدها وبالتالي أسرتها التي ترزح تحت ضيق مالي خانق. واقترب وقت الحصاد وكانت النتيجة"المبهرة"التي انتظرتها طويلاً تعلن على الملأ، وبلسان وزير التربية والتعليم الدكتور خالد طوقان"العاشرة على المملكة في الفرع الأدبي سوسن رزق خضر".