ولد عام 1915م في منزل متواضع وبيئة فقيرة قاسية في مدينة عنيزة، وعاش في كنف والدته، بعد أن انشغل والده في رحلات البحث عن الرزق، في وقت كانت تعاني فيه المنطقة من تبعات الفقر والقحط.. رحل الأب وتحمل الطفل صاحب ال11 عامًا في وقتها مسئوليات البحث عن الرزق وهموم اليتم والمسئوليات الجسام، فقاده القدر مع عمه إلى مدينة مكةالمكرمة. وفي الأراضي المقدسة امتهن كل أنواع المهن البسيطة، فعمل ساقيا و«دلالا» وطباخا وبائع سجاد متجولا، وبائعًا في دكان عمه، ثم التحق بالعمل الحكومي في الجمارك لكنه لم يلبث أن عاد للسوق ليفتتح دكانا في سوق الجودرية بمكة ويبني سمعة حسنة هناك، ثم أسس أول شركة في حياته مع أحد رجال الأعمال استمرت 28 عاما تغيرت فيها أوضاعه وكبر أبناؤه وزادت خبراته، عندها قام بالتخارج من تلك الشركة واستدعاء شقيقه عبدالله ليؤسس عملًا جديدًا زود من خلاله وزارة المالية عبر عقود حكومية بالزي الرسمي السعودي. هذا ملخص لبدايات رجل الأعمال السعودي محمد إبراهيم السبيعي الذي توفي هذا الشهر بعد قرابة 102 عام من العمل والإنجاز في مجالات وأنشطة عدة تسيّدها العمل في مجال الصيرفة، وتوجها العمل الخيري الذي بقي ذكرى خالدة عبر «مؤسسة محمد وعبدالله إبراهيم السبيعي» العملاقة التي حققت حضورا وإنجازات كبيرة على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال عمل مؤسسي محترف شامل لكل مناحي الحياة من بناء مستشفيات ومساجد ومدارس وآبار ومعاهد وبرامج تأهيلية وتدريبية وكفالة للأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات، وجعل كل ذلك مبنيا على أوقاف وأصول ثابتة تضمن للعمل استمراريته وديمومته. رحل الشيخ محمد السبيعي في صمت بعد أن ملأ الدنيا صخبًا بالإنجاز، وترك خلفه أعمال خير كثيرة تخلد ذكراه وتزيد من الأيادي التي ترتفع للسماء تدعو له، ودروسًا وعبرًا للطموحين، وخاصة رجال الأعمال والأثرياء والميسورين ملخصها أن للنجاحات متطلبات تتوجها العزيمة والإصرار، وللرزق ضريبة لا بد من دفعها للوطن والمجتمع عبر المساهمات الخيرية والمسئوليات الاجتماعية التي تخلد الذكرى في الدنيا وتتحول إلى «باقيات صالحات» في الآخرة، وهي صورة أفضل من صورة «أن ترحل ويرحل اسمك معك».