تكمل حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اليوم 20 ايار/ مايو عامين من عمرها خاضت خلالهما مراحل مختلفة تراوحت بين مواجهة الحرب الطائفية والمقاطعة السياسية واخيرا تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة. وكان اختيار المالكي لرئاسة الحكومة تم بعد سجالات استمرت نحو خمسة اشهر اعقبت نهاية الانتخابات العامة التي افرزت خريطة سياسية تمتع فيها"الائتلاف العراقي الموحد"الشيعي بحصة الاسد من المقاعد تلاه"التحالف الكردستاني"ومن ثم"جبهة التوافق"السنية. ولم يكن اسم المالكي، الذي ولد في بلدة طويريج بمحافظة بابل عام 1950، مطروحاً ضمن المرشحين لتولي منصب رئاسة الحكومة حتى نيسان ابريل من عام 2006 عندما بدأ النزاع يحتدم بين مرشح"حزب الدعوة"داخل"الائتلاف"ابراهيم الجعفري، المدعوم من التيار الصدري، ومرشح"المجلس الاعلى الاسلامي العراقي"عادل عبد المهدي. وبعد فوز الجعفري بترشيح"الائتلاف"واجه معارضة من الكتل النيابية الأخرى والأميركيين مطالبين"الائتلاف"باستبداله بمرشح آخر، فتوجه الخيار حينها الى شخصية من داخل"حزب الدعوة"غير الجعفري تحظى بقبول جميع الاطراف هو نوري المالكي الذي سارع بتشكيل حكومة اطلق عليها"حكومة الوحدة الوطنية"بمشاركة معظم الكتل السياسية في البرلمان واعلان برنامج سياسي متفق عليه. لكن حالة الوفاق التي تميزت بها اجواء انتخاب الحكومة العراقية الجديدة لم تصمد طويلا وسط تداعيات تفجيرات سامراء التي ألهبت الاقتتال الطائفي، فلم تسلم الحكومة الوليدة سريعا من اتهامها بالاصطفاف مع الميليشيات الشيعية في ممارسة حملة تطهير طائفي، انتقاماً لتفجير سامراء، شملت اعمال قتل وتهجير تردد ان قسماً كبيراً منها نفذ بمشاركة اجهزة الامن الرسمية. لكن المالكي أصر حينها على انه لا يعبّر عن توجه طائفة بعينها وانه مصر على تطهير الاجهزة الامنية التي تسببت ببروز الازمة الطائفية. تباعد المالكي مع حلفائه من"جبهة التوافق"السنية اتسع مع بداية عام 2007، حيث بدا واضحاً ان العلاقة توترت لتأخذ طابعا شخصيا مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء سلام الزوبعي. وأخذت"التوافق"تتحدث في ذلك الوقت عن تفرد المالكي بالقرار الامني وخرقه لبرنامج الحكومة وتهميشه لفاعلية المناصب السنية، خصوصا في الجانب الامني، عبر تشكيله مكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي احتكر السلطات الامنية وسحب عمليا صلاحيات الزوبعي نائبه السني للاغراض الامنية. حكومة المالكي تعرضت لاختبار شديد الوطأة بحدوث تفجيرات سامراء الثانية، الا ان ردود الفعل لم تكن واسعة كما حدث عام 2006 مع تصاعد حالات الاغتيال والقتل والتهجير بشكل غير مسبوق خلال الاشهر الاولى من ذلك العام لتصل اعداد المهجرين الى نحو 4 ملايين، نصفهم خارج العراق. الافق السياسي بدا مغلقاً قبل عام وسط فوضى سياسية وامنية غير مسبوقة، ما دفع الى بروز توقعات بقرب سقوط حكومة المالكي بموازاة دعوات الى انتخابات مبكرة. ثم جاء تقرير لجنة بيكر - هاملتون الأميركي، الذي لم يخدم سياسة حكومة المالكي، وحملها قدرا كبيرا من المسؤولية عن تدهور الوضع الامني في العراق خصوصا في المناطق السنية وبغداد، في وقت كانت احداث منطقة الزركة قرب كربلاء واستهداف جماعة اليماني قد خلقت جواً شيعيا مشحونا ومهيئاً للانفجار. لكن الرئيس الاميركي جورج بوش، الذي قرر دعم المالكي، تبنى استراتيجية امنية جديدة تتضمن زيادة عديد القوات الاميركية بنحو 30 الف مقاتل جديد وتطبيق خطط امنية في بغداد وديالى واحتضان العشائر التي بدأت تبرز الى السطح عبر مجالس الصحوة. لكن حصول تقدم امني محدود على الارض منتصف عام 2007 كان قد صاحبه انهيار سياسي غير مسبوق تمثل بانسحاب كتل الصدر و"التوافق"و"العراقية"من الحكومة التي واصلت عملها منذ ذلك الحين على رغم افتقارها لنحو نصف وزرائها. دعاوى اسقاط حكومة المالكي اتسعت منذ ذلك الحين لتبرز تحالفا سياسيا جديدا يضم الحزبين الكرديين والمجلس الاعلى وحزب الدعوة الى صف الحكومة، وطيفا واسعا من القوى والكتل الى صف المعارضة. وأخذت البنية الاساسية للكتل التي شكلت حكومة المالكي تنهار هي الاخرى بتصدع كتل"الائتلاف"الشيعية و"التوافق"السنية و"العراقية"اياد علاوي كما بدأت الاتهامات بالفساد تتصاعد، ومنها اتهام المالكي بغض الطرف عن حلفاء له متهمين بالفساد والاستيلاء على محافظات شيعية جنوبا. مع تراجع نسب العنف الى اكثر من 60 في المئة نهاية عام 2007 كان المالكي قد اعد لصراع مع حليفه الاساسي"تيار الصدر"ترجمه باطلاق عمليات البصرة التي ضربت"جيش المهدي"التي اعادت لحكومته هيبتها ورفعت عنها تهمة الانحياز الطائفي. صاحب ذلك صراحة نادرة باتهام ايران، الجار القوي والحليف للاحزاب الشيعية الفاعلة، بزعزعة الوضع الامني في العراق، ما رفع بالضرورة اتهامات وجهت الى حكومة المالكي بالولاء الى ايران وسمحت لها بتنفيذ عمليات واسعة في الموصل الحساسة طائفياً وعرقيا من دون مواجهات كبيرة. الاتفاق الاميركي العراقي حاز على نسبة كبيرة من الجدل، لكن آلية اقرار القوانين المثيرة للجدل كالنفط والموازنة والعفو العام والمحافظات والانتخابات التي تعطلت لأكثر من عامين، سرعان ما خرجت من الاحتقانات الطائفية الى النور لتعكس انفراجات سياسية صاحبتها رغبة"جبهة التوافق"بالعودة الى الحكومة مرة اخرى. في عامين على تولي حكومة المالكي السلطة في العراق خاض هذا البلد مراحل متناقضة وصراعات دامية وتطورات وضعته مرارا على حافة الهاوية، لكن الأكيد ان الحكومة أبعد ما تكون هذه الأيام عن الانهيار، بل على العكس، تخطو نحو كسب المؤيدين لاستمرارها على رغم ان نحو عام ونصف متبقية على ولايتها لا تضمن حسم مبررات تجدد الصراع والانتكاسات.