أستثمار صندوق الاستثمارات العامة في الأندية السعودية    محافظ جدة ينوه بمضامين الخطاب الملكي في مجلس الشورى    ولي العهد السعودي: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    البديوي يرحب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار "إنهاء الوجود غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة"    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    مؤشرات البورصة الأمريكية تغلق على تراجع    «الروع» تعزز الوهم وتنشر الخرافة..    وكالات التصنيف: الاقتصاد السعودي في المسار الصحيح    رئيس «هيئة الترفيه» : المنجزات المتحققة ثمرة رؤية القيادة الحكيمة وتوجيهاتها الرشيدة    المواطن عماد رؤية 2030    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    هل تريد أن تعيش لأكثر من قرنين ونصف؟    لماذا يُفضل الأطباء البياجر    نائب أمير مكة يشهد انطلاق اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق بإمارات المناطق    «الأحمران» يبحثان عن التعويض أمام الأخدود والخلود    "بيولي" يقود النصر أمام الاتفاق .. في جولة "نحلم ونحقق"    «صرام» تمور الأحساء !    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    السعودية تطرق أبواب العالم    حضن الليل    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    أحياناً للهذر فوائد    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. الأمير عبدالعزيز بن سعود ينقل تعازي القيادة لأمير الكويت وولي عهده    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    12 لاعب احتياط في كأس الملك    الزعيم يعاود تحضيراته    الكل يتوعد خصمه ب«القاضية» فمن سيتأهل للنهائي؟    رابيو: استغرقت وقتا قبل قراري بالانتقال إلى مارسيليا    في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة في ضيافة موناكو.. وأتالانتا يواجه آرسنال    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    إصدار 32 رخصة تعدينية جديدة خلال يوليو 2024    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    أمريكا «تحذر» من أي «تصعيد» بعد انفجارات لبنان    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    اكتشاف توقف تكوين نجوم جديدة بالمجرات القديمة    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    انطلاق المؤتمر السعودي البحري 2024.. نائب وزير النقل: ترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي    سلامة المرضى    315 مختبراً شاركوا في اختبار الكفايات اللغوية    دعم الأوقاف تُطلق مبادرة "الحاضنة" للقطاع الوقفي بالمملكة برعاية أوقاف الضحيان    محافظ حفر الباطن ينوه برعاية الدولة للقطاع الصحي    مجلس الشورى خلال دورته الثامنة.. منهجية عمل وتعزيز للتشريعات    "دوائي" تحذر من أضرار الخلطات العشبية على الكلى    كسر الخواطر    كلام للبيع    مهرجان المسرح الخليجي يختتم فعالياته ويعلن عن الفائزين    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    الرياض تستضيف الاجتماع التشاوري العالمي لخبراء منظمة الصحة العالمية    الأرصاد: رياح مثيرة للأتربة والغبار تؤدي إلى تدني مدى الرؤية في تبوك والمدينة    خادم الحرمين يأمر بترقية 233 عضواً في النيابة العامة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تنشر فصولاً من مذكرات المغربي "عمر الناصري" رجل الإستخبارات الفرنسية الذي تسلل إلى "القاعدة" . ذخيرة في بلجيكا للمجاهدين واتصال بالفرنسيين للعمل جاسوساً 1 من 3
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2008

عمر الناصري اسم مستعار ينطوي خلفه مؤلف كتاب"في قلب الجهاد"، هو واحد من عشرات الأسماء التي غطى بها شاب مغربي حقيقته من ابن صغير لوالديه احتضنته مدرسة كاثوليكية في بلجيكا، فبائع حشيش في المغرب، إلى جاسوس للاستخبارات الفرنسية في أفغانستان ومواقع أخرى.
قصة"الناصري"الطويلة التي حكاها من الألف إلى الياء منذ أن كان صبياً إلى أن لفظته دوائر الاستخبارات الغربية في نهاية المطاف، هي مضمون كتابه الذي تستعرض"الحياة"أجزاء منه على ثلاث حلقات إبتداء من اليوم بالتعاون مع"دار العبيكان"التي تملك حقوق نشر الكتاب بالعربية.
إلا أن تلك الحياة كما قال عنها الناصري نفسه ليست حياة واحدة بل حيوات، قل أن تماثلها أخرى في الإثارة والغرابة والتناقض. فتارة هو ابن بار بأمه يخشى عليها من سطوة أبيه، وأخرى متدين، وإن أقر بأنه في باطنه غير مبال بالشعائر الدينية. إلى كونه وسيطاً في بيع الحشيش والأسلحة، فمجاهداً لا يشق له غبار، ومعاقراً للخمر، وفاتكاً بالنساء في مواطن أخرى. ومهرباً للمتفجرات لمصلحة إحدى الجماعات الإسلامية. تلك هي عناوين حيوات الناصري كما أراد أن يسميها:
لدى نزولي من الطائرة في بروكسل، وجدت أخي الأصغر، نبيلاً في انتظاري، استطعت أن أفهم من تعابير وجهه أن هناك مشكلة. قال: لا نعرف متى ستطلق الشرطة سراح حكيم. وجدتني غارقاً في بحر من الارتباك: حكيم كان في الطائرة معي. غير أنني حين نظرت إلى الخلف نحو البوابة لم أره. لم نجلس معاً لأننا كنا في حالة شجار،إلا أنني كنت رأيته على متن الطائرة. والآن كان نبيل يبلغني بأن الشرطة السرية المغربية كانت أنزله من الطائرة في الدار البيضاء واحتجزته للتحقيق. تذكرت كم كان أخي صاخباً في إعلان معتقداته. كنت أعتقد بأن حكومة المغرب كلها كانت طاغوتاً. لم أستغرب قط أن يكون أحدهم سمعه وأبلغ عنه. والسلطات المغربية مشغولة دوماً باعتقال الناس، أحياناً لمجرد إخراجهم من الشوارع، ولكن دائماً لدى رؤية أي دليل صغير على التطرف.
أقلني نبيل بسيارته إلى بيت أمي في أطراف بروكسل، وما ان وصلنا حتى فتحت لنا الباب. كنت بالغ السعادة لرؤيتها. مع أننا كنا نتحادث هاتفياً وكانت ترسل لي مبالغ نقدية إلى المغرب، فإنني لم أكن قد رأيتها شخصياً منذ أكثر من عقد. بدت أكبر سناً، لكنها كانت لا تزال جميلة جداً. ذلك المساء، تناولنا العشاء، نحن الثلاثة معاً. كنت مسروراً جداً لأنني عدت إلى أوروبا.
بعد يومين التقيت كلاً من ياسين وأمين للمرة الأولى. كنت في مركز المدينة النهار كله، ولدى عودتي إلى البيت وجدت أخي في غرفة المعيشة مع خمسة رجال آخرين. كانت أمي أعدت عشاء رائعاً للجميع وكانوا يتناولون الطعام. كان الرجال يرتدون ملابس فاخرة بدت باهظة الثمن. وكانوا حليقي الذقون. بدا أخي حكيم شديد الغرابة بينهم، في جلبابه وبلحيته الطويلة.
دعاني حكيم وقدمني إلى الرجال الذين كانوا جزائريين ويتكلمون الفرنسية. كانوا شباناً صغاراً، بعضهم في سن المراهقة وبعض في أوائل العشرينيات. بدا واضحاً أن واحداً، منهم هو"أمين"، كان مسؤولاً. كانت بشرته أقل سمرة من معظم العرب، وعيناه الواسعتان بدتا جاحظتين.
لغة متعصبة
كان أمين بالغ الثقة بالنفس، واستطعت أن أرى الآخرين ينظرون اليه باحترام. كان يكثر من الابتسام ويبالغ في التودد إليّ. قوطع باستمرار بسيل من الاتصالات عبر الهاتف الخليوي. كان نادراً جداً أن ترى أناساً مجهزين بهواتف خليوية في 1993، فاستنتجت فوراً أنه وفير على المال.
لم أكثر من الكلام ذلك المساء. علمت أن الشبان كانوا منخرطين في أمر سري ربما غير شرعي، وعلى رغم أنني لم أكن متأكداً من طبيعة الأمر بدقة في تلك الليلة الأولى، علمت أنه كان ذا علاقة بالحرب الأهلية في الجزائر. كان هذا أواخر عام1993. فقبل عامين اثنين كانت الحكومة العسكرية ألغت الانتخابات حين أدركت أن جبهة الإنقاذ الإسلامية FIS كانت ستفوز. وسرعان ما كانت الجماعة الإسلامية المسلحة GIA قد انبثقت معلنة الجهاد والقتال ليس ضد الدكتاتورية العسكرية فقط بل وضد جبهة الإنقاذ الإسلامية أيضاً. لم تكن الجماعة تريد انتخابات جديدة، كانت مصرة على إقامة نظام ديني للحكم.
كان أمين وياسين يستخدمان اللغة الدينية المتعصبة نفسها التي كان أخي يتعامل بها. غير أن صوتيهما كانا على الدوام هادئين في شبه طمأنينة، حتى وهما يتحدثان عن الجهاد وعن تدمير الكفار. غير أنهما بقيا أكثر الأحيان مشغولين بالكلام عن الأمور اللوجستية. عن سيارات ذاهبة من فرنسا إلى ألمانيا، ومن ألمانيا إلى فرنسا. عن نوعية السيارات التي كانت محركاتها تعاني من الخلل، وأمور من هذا القبيل.
بعد أسبوع آخر، جاء أمين وياسين مرة أخرى، صباحاً هذه المرة. كنت في الطابق الأرضي أتناول طعام الفطور حين سمعتهما يتحدثان مع حكيم في غرفة المعيشة. ما إن سمعت كلمة كلاشنكوف تتردد على ألسنتهم حتى انتفضت أذناي، رحت أصغي باهتمام بالغ. كانوا يتحدثون عن الذخيرة. كانوا في حاجة إلى طلقات كلاشنكوف. كان أمين يقول: لا نستطيع تأمينها في بلجيكا، أما في ألمانيا فهناك كميات كبيرة منها غير أنها باهظة الثمن.
انتقلت إلى غرفة الجلوس وتابعت الإصغاء. كنت مطلعاً في الأساس على جانب من موضع الاتجار بالسلاح من ألمانيين حاولا شراء الحشيش في مقابل الأسلحة. كنت أعلم أن ألمانيا مشبعة بالأسلحة الواردة من الاتحاد السوفياتي السابق. وفهمت أيضاً أن تاجر السلاح كان معرضاً لخطر الاعتقال كلما عبر حدود إحدى الدول. وكل جرعة خطر إضافية كانت تضاعف السعر. وبالتالي فإن السعر كان فاحشاً: كانوا يدفعون 13 فرنكاً ثمناً لكل طلقة. اقتحمت المناقشة قائلاً: قد استطيع تأمين الذخيرة لكم. كم ستدفعون؟
ابتسموا جميعاً، ثم ضحكوا. علق حكيم: لست في القصر إلا من البارحة العصر. وأنت بعيد عن الأجواء منذ عشر سنوات. أنت لا تعرف شيئاً عن كل هذه الأمور.
نظرت اليهم من دون ابتسام وقلت: أنا جاد أعتقد أنني استطيع تأمين الذخيرة. ما الذي تريدونه؟ كفوا عن الضحك، إلا ان الشك كان جلياً على وجوههم. قام ياسين بكسر جليد الصمت قائلاً: نريد خرطوش ايه كي ? 47، 7.62 ? 39 7.62، 47-AK? 39 ومستعدون أن ندفع عشرة ونصفاً.
خشيت ألا يبقي لي شيء إذا قبلت بالرقم. لماذا عشرة ونصف؟ إذا تمكنت من العثور على الذخيرة بسعر 11 ستبقون موفرين فرنكين في كل طلقة.
قالا: لا نريد أن ندفع هذا الثمن. لا نستطيع.
قلت: حسناً سأرى ما استطيع فعله.
لم يصدقوني بالطبع، اكتفوا بالابتسام.
زبون سلاح مهم!
لم تكن عندي أي فكرة عن كيفية الاهتداء إلى طلقات الكلاشنكوف. وانا استعد للنوم، تذكرت قيام حكيم بحرق دفتري وقوائم أسماء زبائني في المغرب. ليتني كنت محتفظاً بعنوان الألمانيين! لو كنت لاستطعت أن أحصل على كل ما كان أمين وياسين يريدانه، وأكثر، غير أن الحياة هي هكذا.
صباح اليوم التالي ذهبت إلى مركز المدينة، إلى شايربيك، بقعة شديدة الازدحام في بروكسل، أكثرية سكانها من الأتراك والشمال أفريقيين. إنها البؤرة التي يتردد عليها الرجال بحثاً عن بائعات الهوى والمخدرات.
جلست في مقهى يشرف على شارع وطلبت مشروباً. بقيت هناك نحو ساعة على الأقل، أراقب المارة كما كنت أفعل في المغرب. مع فارق أنني كنت في المغرب أبحث عن مشترين، أما هناك فكنت أبحث عن بائع. وبسرعة لافتة اهتديت إلى واحد، إلى شاب عربي واقف على الرصيف المقابل. كان شديد الأناقة مرتدياً بدلة رياضية جديدة تماماً من طراز نايك. دائم التلقي للاتصالات عبر هاتفه الخليوي. راقبته طويلاً. بين الحين والآخر كانت إحدى السيارات تخفف من سرعتها أمامه، ثم كان يمتطي دراجته النارية العملاقة من طراز كاواساكي وينطلق بسرعة فتتبعه السيارة. غير أنه كان على الدوام يعود إلى مكانه على الرصيف.
سبق لي أن رأيت هذا النوع من البشر، وأكد لي حدسي أنه الشخص الذي سيهديني إلى ضالتي المنشودة المتمثلة بالذخائر. غير انني أدركت أيضاً ان هذا لم يكن اختصاصه النظامي. لكنه سريعاً ما أوصلني إلى بغيتي الذي التقاني في سيارة وقدم نفسه قائلاً: أنا لوران. سألني عن طلبي وقلت إنني في حاجة إلى خرطوش كلاشنكوف... كميات كبيرة... أومأ برأسه.
اختبار العميل
عاينت الرجل. بدا بورجوازياً فرنسياً نموذجياً. لا أعتقد أنه كان فوق الخامسة والأربعين من العمر، إلا أن وجهه بدا أكبر. كان مغطَّى بالتجاعيد وكانت ثمة أخاديد على جبهته. عيناه كانتا دائمتي الدوران.
واصلت معاينتي له ونحن في الطريق. كان شيء شديد الغرابة حوله، شيء لم يسبق أن رأيته. كان جسمه مشدوداً تماماً متوتراً مئة في المئة، في حياتي كلها لم يسبق أن رأيت رجلاً على هذه الدرجة من الدقة، على هذا المستوى الرفيع من الانتباه إلى جميع التفاصيل، كان دائم النظر إلى مرآته العاكسة للخلف، ولاحظت عينيه اللتين كانتا تقفزان من محجريهما لتغطيا سائر الاتجاهات.
تباطأت السيارة في منطقة في حي بروكسلي لم يسبق أن زرته. دخل لوران إلى مرآب للسيارات، على ارتفاع عدد من الطبقات. نزلنا نحن الثلاثة من السيارة، وقفت مع الزبون السمسار جانباً، في حين قام لوران بفتح الصندوق. كان ثمة كيس ممدد في الداخل. سحبه لوران إلى الخارج كاشفاً عن مسدسات تشيكية رشاشة. بقيت صامتاً.
راح لوران يفسر: كان من المفروض أن أسلم هذه لأحدهم غير انه اختفى ولم يعد إلى الظهور. ليست لدي فكرة عن مكان وجوده.
التفت ونظرت إلى الزبون الذي بدا منبهراً بالرشاشات، انحنى وحمل أحدها مقلباً إياها عدداً من المرات بين يديه. تراجعت قليلاً ملتزماً الصمت.
علمت أنهما كان يختبرانني. كانا يريدان التأكد مما إذا كنت صادقاً بشأن الجهاد، بدلاً من أن أكون مجرماً صغيراً يبحث عن سلاح للسطو على أحد البنوك. وأراد لوران أن يعرف ما إذا كنت محترفاً، الأمر الذي جعلني أمتنع عن حمل الرشاش كما فعل الزبون. فقط الأغرار يحملون الرشاشات ويقلبونها بتلك الطريقة تاركين بصماتهم عليها. لم تكن العملية كلها سوى مسرحية، جولة اختبار ومعاينة. كانت الأيام الثلاثة الأخيرة سلسلة متصلة من الاختبارات. من خلال مطالبتي بالعودة ثانية وثالثة ورابعة كان الزبون يمتحنني، يحاول معرفة حقيقتي. ربما كنت رجل أمن، ربما كنت مجنوناً، كانا يريدان أن يتأكدا من أنني لم أكن أمارس اللهو.
نظر لوران إلى المسدسات في صندوق السيارة، ثم رفع عينيه ونظر إليّ وسأل: هل أنت مهتم بها؟
أجبت: لا، قلت لك إنني أريد ذخيرة طلقات كلاشنكوف، لا شيء آخر، نقطة على السطر.
اومأ برأسه، عدنا إلى السيارة جميعاً. خرجنا من المرآب، وتوجهنا نحو مركز المدينة عائدين من حيث جئنا. كنت نجحت في الاختبار.
عندما نزلت إلى الطابق الأرضي صباح اليوم التالي، وجدت أن أمين وياسين كانا قد وصلا إلى البيت. كانا يترددان أكثر فأكثر، ربما على نحو يومي الآن.
دخلت إلى غرفة الجلوس وقلت متوجهاً إلى ياسين: اهتديت إلى شخص. استطيع الحصول على الطلقات بسعر أحد عشر وخمسين للواحدة.
حاجبا ياسين ارتفعا قليلاً وهو ينظر إليّ. التفت إلى أمين وتبادلا بضع كلمات همساً. ثم أومأ أمين برأسه.
ببطء قال ياسين وهو ينظر اليّ من جديد: موافق. سنجربه. قل لصاحبك اننا نريد خمسة آلاف. ولكن، اعلمه أننا نريد عينة قبل ان نسلم المبلغ، أي مبلغ. بالطبع كان لدى كل من أمين وياسين قدر من الفضول، لم تكن عندهما أي فكرة عن ذلك الذي كنت أتعامل معه، كما لم اقترح الكشف عنه. في الوقت نفسه لم يكن ثمة ما يدعوانهما إلى الثقة بي، لم يكن قد مضى على وجودي في بلجيكا سوى أقل من شهر، كما أن أحداً منهما لم يكن يعرف عني شيئاً.
كان ياسين في انتظاري عندما عدت إلى البيت. أعطيته الظرف ففتحه. ألقى نظرة سريعة على إحدى الطلقات، أو بدا لي أنه كان يفعل ذلك، ثم قال متحدثاً بلهجة واثقة مئة في المئة: نعم هذا هو طلبنا.
أثار ياسين اعجابي. أي شخص يلتقط طلقة كان من شأنه على الفور أن يعاين الرقم المحفور على الغلاف ليتأكد أنها من النوعية الصحيحة. أما ياسين فقد عرف ذلك من دون أن ينظر. خطر لي فجأة ان ياسين محترف. وبعد ذلك بقي يطلب نوعيات جديدة من السلاح وأنا أوفرها كوسيط عن طريق"لوران".
في صباح أحد الأيام كان أمين وياسين في غرفة الجلوس عندما نزلت لتناول طعام الفطور، كانا كلاهما يبتسم. انتصب ياسين واقفاً لمصافحتي قائلاً: ما شاء الله يا أخ! كانا قد أحصيا الطلقات خلال الليل وكان العدد خمسة آلاف بالتمام. أدركت أنهما كان معجبين.
رددت بابتسامة سائلاً: وأين هي حصتي؟
سحابة سوداء غطت وجهيهما. رأيت أنهما كانا غاضبين. بادرني أمين: أنت يا أخ لا تقوم بهذا العمل مقابل مال. كان صوته خافتاً، مشوباً بشيء من التهديد. أضاف: أنت تقوم بهذا العمل في سبيل الله. هذه خدمة للأمة. إياك ان تنسى هذه الحقيقة.
رمقته بنظرة ساخرة وقلت: إذاً لن أقوم به بعد الآن!
فوجئا بنبرة صوتي وتراجعا قليلاً. ثم قال ياسين: أرجو أن تعيد النظر بما قلت.
أجبت: لست في حاجة إلى إعادة النظر. لا أستطيع أن أؤمن البضاعة لكم بهذا السعر بعد الآن على أي حال. إن التاجر أعطاني ذلك السعر للمرة الأولى فقط. من الآن وصاعداً سيكون السعر أحد عشر وثمانين.
كنت أكذب، بالطبع، وكانا يعرفان ذلك. غير أنهما كانا ملزمين، لم يكن أمامهما أي خيار آخر. ولو بأحد عشر وثمانين كان السعر أقل بما يزيد على فرنك من السعر الذي كان متوفراً لهما من ألمانيا. وأنا لم أكن أخسر شيئاً بكذبي، لم يكن سبق لهما أن وثقا بي تماماً على أي حال.
على امتداد الأسابيع التالية كنت سأجلب لهما ثلاث وجبات ذخيرة من لوران. في البداية لم يطلبا إلا المزيد من الطلقات: خمسة آلاف في كل مرة. كنت أرتب عملية التسلم والتسليم مع لوران بالطريقة نفسها.
مع مرور الوقت، تزايدت أعداد المارين بالبيت قبل التوجه إلى بلاد الشيشان. كان أمين وياسين يكثران من الكلام عن بلاد الشيشان، وعن الجهاد في طول العالم وعرضه. بالطبع تركز جل كلامهما على الجزائر. كانا يريدان اطاحة النظام العسكري. كان أمين وياسين يعرفان أشياء كثيرة عن أفغانستان لأنهما كانا في معسكرات التدريب هناك. ومع أنهما كانا شديدي التكتم حول الأمر، فإنني علمت بالأمر بما يشبه الصدفة حين كانا يمزحان على مائدة العشاء ذات مساء.
الاستخبارات
بعد انقضاء نحو أربعة أشهر على وصولي إلى بروكسل، انقلبت حياتي رأساً على عقب. لدى عودتي عصر أحد الأيام وجدت المطبخ محشواً بحشد من العلب والصناديق والأمتعة. لم أفهم ما كان يجري، انسحبت بسرعة صاعداً إلى غرفة نومي. كانت ثمة آلة تصوير فوتوكوبي كبيرة من طراز"كانون"في الممر، لم أكن رأيتها من قبل. وداخل غرفة نومي وجدت المزيد من الأغراض والعلب المبعثرة هنا وهناك.
هرعت عائداً إلى الطابق الأرضي حيث رأيت أمي وسألتها: ما الذي يجري يا ماما؟ ما معنى هذه الأشياء؟
هناك أصدقاء لحكيم آتون ليعيشوا معنا بعض الوقت. إنهم أمين، ياسين، وآخرون أيضاً. فقدوا شقتهم وباتوا في حاجة إلى مكان للإقامة.
لم أستطع تصديق ما سمعت. غير أنني كنت عاجزاً عن فعل شيء، كان البيت بيت أمي. اندفعت خارجاً، وصفعت الباب ورائي بقوة. وحاولت دفع المجموعة للخروج من المنزل وسرقت منهم 15 ألف فرنك، فعلموا بالأمر لكنهم بدلاً من أن يرحلوا هددوني بالقتل. عندها توجهت إلى السفارة الفرنسية. دخلت بوابة السفارة وقابلني موظف وسألني عما أريد.
أجبت بحزم: لست في صدد رواية قصتي. يطيب لي أن أكلم أحداً يكون منخرطاً مباشرة في الحرب على الجماعة الإسلامية المسلحة. لدي معلومات ستكون ذات أهمية كبيرة، لكنني اريد أن أتحدث مع شخص يكون على خط الجبهة.
من الواضح أنه فوجئ وراوده شيء من الغضب. من المؤكد انه لم يكن متوقعاً شخصاً مثلي يملي عليه شروطاً، أي شروط. إلا انه ما لبث أن رضخ. اذهب من فضلك وأجلس هناك في غرفة الانتظار. سأكون معك في غضون دقائق.
غادرت المكتب وجلست في الخارج. بعد عشر دقائق فتح الباب ودعاني إلى المكتب ثانية. قال: هل تستطيع أن تعود غداً صباحاً في الساعة العاشرة تقريباً، إذا لم يكن ذلك ممكناً فقل لي مباشرة؟
وافقت على العرض قائلاً: موافق. استطيع أن أكون هنا غداً.
جيد. حين تصل إلى هنا، بادر من فضلك إلى الجلوس في غرفة الانتظار. ثمة شخص سيقترب منك وسيزودك التوجيهات. ثم ستتبعه. يمكنني أن أؤكد لك أنه على علاقة مباشرة بالمعركة ضد الجماعة الإسلامية المسلحة.
وافقت على الخطة ثم غادرت القنصلية. ما إن أصبحت خارج المبنى حتى وجدتني أمام كشك للهاتف فاتصلت بأخي وقلت له: لا تبادر إلى أي حركة. اترك كل شيء في مكانه الآن.
أمضيت الليل في البيت مرة ثانية. كنت قد استجمعت أفكاري، وأدركت استحالة إقدامهم على قتلي في بيت أمي. كانوا في حاجة ماسة إلى البيت: لتخزين الأسلحة، لإيواء الشباب العابرين في الطريق إلى الجبهة، لوضع المعدات اللازمة لإصدار نشرة الأنصار. إذا كانوا سيقتلونني، فإنهم كانوا سيفعلون ذلك في مكان آخر.
أعلم أن الشرطة البلجيكية لن تساعدني، لم أكن في نظرهم سوى ارهابي لا مكان له الا السجن. غير أن الفرنسيين كانوا أكثر اهتماماً بالجماعة الاسلامية المسلحة لأنهم كانوا يعرفون بأنهم مستهدفون.
وجهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي المعروف بال"دي جي اس إي"DGSE كان معروفاً بالقسوة ولا يعرف معنى الرحمة. قبل بضع سنوات كان عملاء الجهاز قد نسفوا سفينة السلام الأخضر، المناضلة قوس قزح، بالقرب من شواطئ نيوزيلاندا لتمكين الفرنسيين من متابعة تجاربهم النووية في القطاع الجنوبي من المحيط الهادي. كنت واثقاً من أن هذا الجهاز لن يُقدم على تلويث يديه بشخص مثلي.
ما كنت لأستطيع أن أطمئن لأي شيء، بالطبع. كان من المحتمل أن أتعرض للاعتقال والايداع في السجن. ذلك هو السبب الذي جعلني أطلب من نبيل ابعاد الأسلحة. إذا أقدم الفرنسيون على مداهمة البيت، كنت أريد أن أطمئن إلى أنهم لن يجدوا شيئاً. لم أكن أريد تعريض أمي ونبيل لأي متاعب جنباً إلى جنب مع الآخرين.
نشرة"الأنصار"تُكتب وتطبع في بيتنا في بروكسيل ونوزعها بالبريد
عدت إلى القنصلية في الساعة التاسعة والدقيقة السادسة والخمسين وجلسة في المكان المخصص للانتظار.
في تمام العاشرة والدقيقة الثالثة، خرج رجل يرتدي معطفاً للمطر من المكتب ومشى نحوي. بدا في الأربعينيات من العمر، لم يكن وجهه مميزاً بأي علامة فارقة. اتذكر انني شبهته بأحد معلمي المدارس.
وقف أمامي ومد يده قائلاً: صباح الخير، اسمي جيل. صافحتُه، وتابع هو من دون أي تغيير في تعبير وجهه أو نبرة صوته:"سأخرج إلى الشارع الآن، وأريدك أن تتبعني بعد نحو ثلاث دقائق. ستراني على الزاوية. سأبدأ بالمشي وأريدك أن تتبعني. أترك مسافة جيدة بيننا. سأمشي نحو ثلاثين دقيقة. بعد ذلك سأقف أمام واجهة أحد المخازن التي تتاجر بالسجاد التحق بي هناك من فضلك وسنجد مكاناً نتحدث فيه.
دار جيل بعد ذلك ومشى إلى خارج المبنى. ما لبثت عمر أن تبعته، ورأيته واقفاً على الزاوية وهو يدخن سيجارة على بعد ما يقرب من خمسين متراً.
بعد أربعين دقيقة، وقف جيل أمام مخزن للسجاد قريب من ساحة روجيه. قطعتُ الشارع ومشيتُ إليه ماداً يدي لمصافحته كما كان قد أوصاني. مد يده كما لو كان يريد مصافحتي، غير انه ما لبث أن مدها إلى ظهري تحت معطفي ومررها بلطف على ظهري وجبيني.
سألته: ما الذي تفعله؟
- أحاول أن أعرف ما إذا كنت مسَّلحاً أم لا؟
- صحيح، أنا أعرف ما أنت بصدده، ولكن ما الذي جعلك تظن أنني أحمل سلاحاً بحق الشيطان؟
- ربما أنت غير شاعر بالأمان، لا أعرف.
- هل تظن أنني على درجة من الغباء تجعلني آتي مصطحباً مسدساً لمقابلة أحد عملاء جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي، ال"دي جي اس إي"DGSE؟
ابتسم جيل وأشار إلى مدخل أحد الفنادق على مسافة نحو أربعين متراً. دخلنا وتوجهنا مباشرةً إلى المصعد. أبلغني جيل أن شخصاً ثانياً سيبقى جالساً في أثناء حوارنا، غير أن علي ألا أبالي.
غادرنا المصعد في الطبقة السابعة ومشينا في الممر. كان المكان هادئاً تماماً، كان فندقاً فاخراً، بأضواء خافتة وسجاد سميك. في نهاية الممر وقف جيل امام احد الأبواب وقرعه. بعد ثوانٍ قليلة قام رجل بفتح الباب. كان شاباً رياضياً بالغ اللياقة البدنية، من الواضح أنه حارس شخصي بوديغارد. لم ينبس ببنت شفة. اكتفى بالجلوس إلى طاولة صغيرة وبقي محدِّقاً في شاشة كومبيوتره المحمول.
كانت الغرفة صغيرة. طاولة، جهاز تلفزيون، عدد قليل من الكراسي، ولا شيء آخر. جلسنا، جيل وأنا. مائلاً عليَّ قال:"هيا قل لي! ما قصتك؟"بدأت كلامي:"أمضيت الأشهر الخمسة الأخيرة وأنا اشتري الرشاشات والذخائر للجماعة الاسلامية المسلحة. إلا أنني سرقت من الجماعة مبلغاً من المال وهم الآن عازمون على قتلي".
سألني:"وكيف عرفت أن من عملت معهم كانوا من الجماعة الاسلامية المسلحة؟".
مددت يدي إلى جيبي، سحبت نسخة من الأنصار، عرضتها عليه قائلاً:"هل تعرف هذه النشرة؟".
أخذ جيل الورقة وعاينها بدقة. قال:"نعم، نحن على علم بالأنصار. من أين حصلت على هذه الورقة؟".
قلت:"إنهم يكتبونها ويطبعونها في بيتي. أنا أحشو المغلفات بها كل أسبوع وأرسل نسخاً منها إلى أنحاء العالم. هؤلاء الشباب، أعني الزبائن الذين يكتبونها هم الذين أعمل عندهم. اشتريت لهم مئات الرشاشات وعشرات آلاف الطلقات حتى الآن".
لم يقل جيل شيئاً، أيَّ شيء، وبقي وجهُه شبه خالٍ من التعبير. غير أنه قام بتعديل جلسته قليلاً، وفهمت من عينيه انني أثرت اهتمامه. حتى الحارس الشخصي رفع رأسه ونظره عن شاشة كمبيوتره المحمول."حسناً"قال جيل.. وما الذي تريد منا ثمناً لمعوماتك؟
"أريد منكم أن توفروا الحماية لأهلي. أريد منكم أن تُخرجوا هؤلاء الناس من البيت. لا أريد لأمي أو لأخي الأصغر أن يقعا في أي ورطة بسبب الأفعال التي يقوم بها هؤلاء. وأريدكم أن تمنحوني هوية جديدة، حياة جديدة، عملاً، أي شيء. أريد أن أفلت من براثن هؤلاء الزبائن قبل أن يقتلوني".
بقي جيل صامتاً وراح يعاينني لبضع ثوانٍ قبل أن يرد قائلاً:"أستطيع حماية عائلتك، غير أنني لا أستطيع أن أعطيك كل ما تريده. فأنت لم تقدم ما يكفي بعد. إذا كنت راغباً في الحصول على كل هذه الأشياء فسيتعين عليك أن تفعل المزيد من أجلنا".
سألتُه:"وكيف أستطيع فعل المزيد؟ أنا لا أستطيع أن أعود إليهم. لستُ مازحاً، فهؤلاء لا يعرفون معنى الرحمة. سيقتلونني".
راح جيل يتكلم ببطء وهدوء وقال:"بلى، تستطع أن تعود. هيا عد إلى البيت وقل لهم إنك ستعيد المبلغ. قل لهم، جميعاً، إنك تائب إلى الله وراغب في العودة اليه سبحانه وتعالى. سيتعين عليهم أن يقبلوك من جديد لحظة قولك هذا. ثم ستعود إلى كسب ثقتهم. تذكَّر أنهم بحاجة إليك أيضاً. فهم بأمسّ الحاجة إلى الرشاشات التي تزودهم بها".
فعل الكلام فِعله. استخدم جيل كلمة ريبنتير repentir التوبة الفرنسية، إلا أنني كنت قادراً، من اللغة التي استخدمها، على إدراك أنه كان يشير إلى عبارة توبوا إلى الله توبة نصوحاً بالعربية، التي تعني التماس العفو من الله تعالى. مباشرة علمت أن جيل كان متخصصاً في الدراسات الاسلامية، ومحيطاً باللغة الأصولية."غير أنني سرقت خمسة وعشرين ألفاً من الفرنكات، وقد بددتها. لا أستطيع تسديدها".
"لا بأس. أستطيع أن أحل لك مشكلة المبلغ، غير أن الأمر سيستغرق نحو أسبوع من الوقت. عد إلى البيت الليلة وقل لهم إنك ستتدبر أمر المبلغ قريباً. حاول أن تركِّب عذراً ما، حجة معينة".
وهكذا صِرتُ جاسوساً لدى جهاز الدي جي اس إي الفرنسي جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي. أخيراً وقعت في الفخ. كانوا يعرفونني، كانوا يعرفون عن عائلتي، كانوا يعرفون مكان إقامتي. وبوصفي جاسوساً كنت، أقله، صاحب شيء من السلطة عليهم. لم أوافق على العمل رغبة مني في محاربة الجماعة الإسلامية المسلحة. كان من شأن ذلك أن يأتي لاحقاً، لا في أثناء اللقاء الأول بالتأكيد. حقاً، إن أقصى ما كنت أريده هو توفير الحماية لي ولأفراد عائلتي.
غير أنه كان يتعين علي أن انتبه إلى شيء آخر. قلت لجيل:"لا بد لي من أن أتصل بالهاتف".
"من الذي ستتصل به؟"
"لا أستطيع أن أبوح باسمه"
"يجب أن نعرف قال جيل بنبرة صارمة".
أذعنت."عليّ أن أتصل بأخي. أمرتُه، أؤكد لك، بأن يلقي بكل الأسلحة في القناة إذا لم أتصل به حتى الواحدة".
رفع جيل حاجبيه:"لماذا أمَرته بذلك؟"
"لأنني لم أكن واثقاً مما كنت ستفعل. كان من الممكن أن تقرروا اعتقالي، مما كان سيؤدي إلى عثوركم على جميع الممنوعات في البيت، فتسجنونني مع الآخرين".
ابتسم جيل ثم ضحك قائلاً:"يا لها من سرعة بداهة!"
لم نكن نحن الاثنين، جيل وأنا، نتبادل الثقة الكاملة في أي من الأوقات. ولو على نحو تقريبي. غير أن الجليد كان قد بدأ يذوب قليلاً. مشى معي إلى كوة الهاتف في الشارع، اتصلت بأخي وقلت له أن يُبقي كل شيء في مكانه، أن يترك الأسلحة حيث هي.ثم عدنا إلى غرفة الفندق حيث أمر الحارس الشخصي بالذهاب. سجل جيل رقماً على قطعة من الورق ناولني إياها، قائلاً إن عليّ أن استعمل الرقم عندما أكون بحاجة إلى الوصول اليه. كان يتعين عليّ أن أترك رسالة احدد له فيها مكان وجودي فيعود إلى الاتصال بي مباشرة.
ثم دسّ جيل يده في جيب معطفه وسحب ظرفاً. ناولني الظرف. قال:"سأحصل لك على المبلغ العائد لهم في الأسبوع القادم. إلى ذلك الحين هاك بعض المال".لدى عودتي ذلك اليوم، كان حكيم هو الذي فتح الباب. حدقت في عينيه وقلت:"آسف أنا جداً بسبب ما اقترفت من فِعلة يا أخي. لقد أخذت المال وأنا نادم في أعماقي.
لقد تبت إلى الله سبحانه وتعالى بكل صدق ومن أعماق قلبي، وقد صلّيت له داعياً إياه أن يلهمك أنت والإخوة الآخرين العفو عني".
كنت غارقاً في بحرٍ من الأسى. كان حكيم قد فعل أشياء مرعبة ? بل كان قد تحدث عن قتلي. غير أنه كان لا يزال أخي، كنت شديد الكره لاضطراري إلى الكذب عليه. كنت كارهاً لفكرة التحول إلى جاسوس يتجسس عليه. لم أكن أملك أي خيار آخر.
تابعت كلامي:"أنا خجل مما فعلت. سأعيد المبلغ بطريقةٍ ما. أرجو أن تمنحوني فرصة بضعة أيام فقط. لا أريد سوى العودة إلى الله".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.