لم تكن الفضائيات قد انتشرت في سبعينات القرن العشرين، عندما اندلعت الحرب في لبنان، ولم نعرف الكثير عن تفاصيلها الدموية، إلا من الشاشات الرسمية الحكومية، أو روايات شفوية، وما تركته لنا نصوص الكتاب والشعراء. وبقيت صورة القتل والموت، ضمن دائرة التاريخ الشفوي والمدون. اليوم تبدأ كاميرا الفضائيات بتوثيق ما يحدث من اقتتال، حيث يتابع اللبنانيون، ما يحدث في شوارع بيروت، من شاشاتهم الصغيرة، ومن نوافذ بيوتهم أيضاً. حرب الشوارع صار في إمكانها أن تتحول إلى مسلسل يومي من القتل، رواته مراسلو القنوات الفضائية ومراسلاتها في شوارع المدينة، حيث يتحولون إلى لسان الكاميرا التي تتجول بحذر. القنوات اللبنانية اختلفت في تقويم الحوادث، ولم تختلف كثيراً في تغطيتها ومتابعتها بدأب وقلق. قناة"الجديد"كانت أكثر اهتماماً بتفاصيل الحياة اليومية، وزارت المطار المقفل، وأجرت ريبورتاجات مع المسافرين المعطلين، ثم انتقلت إلى الشوارع، وما يحدث من خلاف بين الجيران حيث تحولت تحيات الصباح، إلى أصوات زخات رصاص، وخرج المواطنون أمام الكاميرا، ليجتمعوا على كراهية الموت. "إل بي سي"تواجدت في مناطق التماس أيضاً، مثل قناتي"الجزيرة"و?"العربية"، وقدم مارسيل غانم في برنامجه"كلام الناس"صرخات المواطنين الذين وجهوا نداءات استغاثة، ليتوقف الرصاصً. "المنار"، لم تتخل عن خطابها التعبوي، وتابعت رصدها للأحداث وفسرت للعالم الخارجي ما تقوم به"المعارضة"، وأكدت الهدوء والطمأنينة الحذرة في بيروت. أمّا"المستقبل"فانقطعت عن البث، بعد إرغام العاملين فيها على مغادرتها. كل شاشات القنوات الفضائية تحولت إلى مسرح للقتل والهدوء أيضاً، حيث لا مقاومة تظهرها الكاميرا من الطرف الآخر... ودبابات الجيش التي تتوسط الشوارع بدت، لكن الموت يختبئ في مكان آخر لا ترصده عين العدسة. فالقناص جبان، لا يواجه، ويختار ضحاياه وهم يبحثون عن خبزهم اليومي، ويتصيدهم بعيداً من الكاميرا المراقبة التي يخاف عينها. ومجدداً تتحول بيروت إلى فرجة للموت، والكاميرا تبحث مجدداً عن حبكة درامية لمتابعة هذه الفرجة أمام مشاهد الفضاء العربي. هذا المشاهد لن يعرف أبداً طعم الخوف والموت الذي يشعر به سكان المدينة، مهما تعاطف معهم، ولن يكون الأمر لديهم أكثر من موت اعتيادي آخر، ترصده عين الكاميرا في فلسطين والعراق، على رغم أن الزمن لم يعف الذاكرة بعد من"حرب تموز"الأخيرة، لكن الأمور الآن مختلفة، وسكان بيروت الذين كانت ترصدهم الكاميرا في"حرب تموز"يفورون في الشوارع، التزموا بيوتهم. حتى أن الكاميرا في تغطيتها المباشرة، كانت حيادية أكثر من عهدها، ولم تدخل إلى قلب الحدث تماماً، ولم تنقل سوى ما يخلفه الرصاص والقذائف، لأنها تعلم أن الوقت غير ملائم لانطفاء عينها، والقناص لن يتردد، في تهشيمها وحاملها ببساطة.