الهاجس الأخطر والوحيد لدى كل اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية هو"الحرب الأهلية"، لكن المفارقة في كل الحروب التي مضت، ان شرارتها كانت تنطلق دائماً من عوامل سياسية وطائفية وتأثيرات خارجية وإقليمية، واليوم لا ينكر أحد ان لبنان لا يزال يملك الحد الأدنى من المناعة التي تحميه من حرب داخلية، ولا يبدو أن أي طرف، من الموالاة أو المعارضة، يسعى لإشعال حرب داخلية، على رغم وصول الجفاء والتخاصم السياسي الى ذروته. يقول بعضهم أيضاً ان الدول الإقليمية التي تملك نفوذاً واسعاً على الساحة اللبنانية لا نية لديها في تفجير الداخل اللبناني، نظراً الى ما يحصل في المنطقة، خصوصاً في العراق، وثمة رأي آخر يقول ان وجود مقاومة قوية لإسرائيل يشكل رادعاً حصيناً لمنع تل أبيب من الدخول على الساحة اللبنانية، وإشعال حرب داخلية فيها تهدف الى تقسيم البلاد وتفتيتها. وفي كل الأحوال فهذه المعطيات صحيحة وواقعية، لكن الواقع الأهم هو وعي اللبناني الذي عايش الحروب السابقة وفي شكل خاص الحرب الأخيرة ويدرك نتائجها وتداعياتها السلبية، مثلما يدرك أيضاً أن ما من طرف شارك فيها خرج منتصراً لكن الخسارة الفعلية هي التي لحقت بالوطن وتركيبته وتعايشه ونموه والطبقة السياسية التي حكمته وأدارت شؤونه، والقناعة الراسخة أكثر في ذهن اللبنانيين هي ان كل ما يتعرض له وطنهم هو نتيجة تداعيات الحرب الأهلية التي توقف فيها المدفع عام 1990 واستمرت بأوجه مختلفة حتى الآن. لكن الخشية من عودة المدفع والمتاريس العسكرية والفئوية محقة وتبدو أكثر واقعية اليوم، لأن مناعة الوعي اللبناني بدأت تضعف، بفعل عامل دخل حياتهم بقوة ويبدو أنه أقوى من العقيدة السياسية والدينية والعرقية والحزبية، وهو العامل الاقتصادي الذي حل بأبشع صوره، الأمر الذي يذكّر بالعهد العثماني. فالدين العام يسير كالنار في الهشيم، والنمو الاقتصادي ينخفض بسرعة البرق والاستثمارات شبه غائبة والبطالة تزيد نسبتها المئوية في شكل جنوني، في ظل غياب تام لمقومات الحد الأدنى للحياة الطبيعية، مثل الضمان والتأمين الصحي، ومشكلة الكهرباء المستفحلة وغلاء تعرفة الهاتف الخليوي والثابت، وارتفاع أسعار المحروقات بمختلف أنواعها، وانهيار القطاع الزراعي والصناعي والسياحي، والأهم من ذلك الغلاء الفاحش، من الدواء الى مواد الإعمار والالكترونيات وصولاً الى الحاجات اليومية والضرورية لكل بيت، أي الخبز والخضار والحليب واللحوم وحتى الحبوب والمعلبات، وكل هذه السلع الأساسية ارتفعت أسعارها بنسبة 40 في المئة، في ظل عدم زيادة الأجور وازدياد العجز في خزينة الدولة. وفي محصلة بسيطة، فإن لبنان يصنف من الدول الفقيرة، والخشية هي ان يتحول اقتصاده من اقتصاد ضعيف الى اقتصاد مريض لا دواء له، في غياب الحركة المطلبية وتسييس ومذهبة أي تحرك اعتراضي على الغلاء، وبذلك يبدو شبح الحرب الأهلية يقترب أكثر ليس بسبب تصاعد الانقسام السياسي وما يخلفه من احتقان طائفي ومذهبي، بل لأن المواطن اللبناني الذي يحب الرفاهية والرخاء أصبح بحاجة الى"كرتونة المساعدات الغذائية"التي تحتوي على قنينة زيت وأكياس عدس وسكر وعلب جبنة ومعلبات غذائية. عباس المعلم - لبنان