الملك وولي العهد يُعزيان الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي    أمير الشرقية يبحث تطورات ومستجدات البيئة الاستثمارية    رؤية 2030.. النجاح لا يأتي صدفة    ورش ومحاضرات توعوية ضمن فعاليات أسبوع البيئة بالجوف    رؤية 2030 تقفز بحجم الاقتصاد الرقمي إلى 495 مليار دولار    عبدالعزيز بن سعد يلتقي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد    «إسرائيل» تمنع دخول شاحنات المساعدات لغزة    مقتل شخصين في ضربات أميركية على صنعاء    Adobe تطلق نموذج Al للصور    القيادة تهنئ رؤساء جنوب أفريقيا وسيراليون وتوغو بذكرى يوم الحرية واستقلال بلادهم    فيصل بن مشعل يكرم الفائزين في بطولة القصيم لجمال الخيل العربية الأصيلة    أخضر الشابات يترقب قرعة تصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    النصر والعلا إلى نهائي الدوري الممتاز لكرة قدم الصالات    مؤشر نسبة العاملين من ذوي الإعاقة يقترب من تحقيق مستهدف رؤية 2030    «هيئة الشورى» تعقد اجتماعها الثامن    قيادات الجوازات تستعرض خطة أعمال الحج    حل 40 ألف قضية أسرية قبل وصولها للمحاكم    وفاة عميد أسرة آل أبوهليل    أمير الرياض يُدشن حملة «الولاء والانتماء»    جلوي بن مساعد يهنئ جامعة نجران    وزير الإعلام يستهل مبادرة "نبض الإعلام" باللقاء الأول مع صنَّاع البودكاست    تشكيليات يرسمن أصالة الأحساء    ليلة استثنائية    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    «جمعية تجهيز» تُخصص رقماً مجانياً للتواصل    «كبار العلماء»: وجوب استخراج التصريح للحجاج    محمد بن ناصر: رياضة المشي لها دورها في الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة    طلاء سحري يقتل البكتيريا والفيروسات    ارتفاع حرارة الأطفال بلا سبب    الميتفورمين يخفف آلام التهاب مفاصل الركبة    طرح تذاكر مباراة النصر وكاواساكي الياباني في نصف نهائي "نخبة آسيا"    الأسواق تترقب أسبوعا يرسم ملامح الاقتصاد العالمي    مواعيد مباريات نصف نهائي دوري أبطال أسيا    العدالة في مهمة سهلة أمام أحد.. العربي يلتقي الطائي.. الفيصلي يواجه الباطن    2 مليار إيرادات تطبيقات نقل الركاب    البرلمان العربي يرحب بتعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس دولة فلسطين    من لعبة إيران إلى لعبة تهجير غزة    بالتعاون مع نادي جازان الأدبي.. نادي ضفاف للترجمة يعقد جلسة حوارية عن النقل وجسور المثاقفة    جمعية الكشافة تختتم مشاركتها في معرض "أسبوع البيئة 2025"    مبادرة لحماية شواطئ جدة    تهنئة 3 دول بمناسبتي ذكرى الاستقلال ويوم الحرية    ‏ #صامطة تتألق بحدث رياضي ملهم: " #امش_30" يجمع الأهالي لتعزيز الحياة الصحية    مدير عام فرع الإفتاء بمنطقة جازان يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    شراكة إستراتيجية بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وشركة فوسون فارما    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع الرياض    هيئة الصحفيين بعسير تنظم جلسة "الصحافة التلفزيونية والسياحة"    بيان سعودي قطري: سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي    أمير جازان يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م    بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير        قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    نائب أمير مكة: اقتصاد مزدهر لرفعة الوطن    تكامل الإنجاز والابتكار وصدارة في المؤشرات .. 3.5 تريليون ريال الناتج المحلي الإجمالي    وزير الحرس: ما تحقق مبعث فخر واعتزاز    أعربت عن تعازيها لإيران جراء انفجار الميناء.. السعودية ترحب بالإجراءات الإصلاحية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "فهرنهايت 451" لراي برادبري : القمع حول البشر كتباً متنقلة
نشر في الحياة يوم 05 - 04 - 2008

يبدو المشهد على الصورة التالية : يصل البطل خلال تجواله الى منطقة نائية بعض الشيء تعيش في مأمن نسبي من السلطات الصارمة في رقابتها. منذ وصوله يشاهد رجالاً ونساء يتمشون شمالاً ويميناً، وهم كالمتمتمين. وإذ يُعرّف بهم يفهم بسرعة سر هذه التمتمة: أن كل واحد منهم يحفظ، عن ظهر قلب كتاباً استعار لنفسه اسم كاتبه. إن عليه ان يحفظ كل صفحات الكتاب في ذاكرته، لأنه إن لم يفعل سيفقد البشرية أي أمل في الاحتفاظ بنص هذا الكتاب. ومن هنا فإن هؤلاء الأشخاص يكوّنون في ما بينهم مكتبة حية. والتصنيف ليس ضرورياً هنا طالما ان كل فرد يحمل الكتاب واسم صاحبه، ومستعد في كل لحظة للاستجابة الى من يطلب منه إطلاعه على الكتاب.
هذا المشهد الذي يبدو هنا جديراً بأدب جورج لويس بورخس، أو بسينما فيم فندرز، إنما هو واحد من المشاهد الأجمل والأقوى والأكثر دلالة في رواية"فهرنهايت 451"لراي برادبري، التي اقتبسها الفرنسي فرانسوا تروفو، في فيلم حمل العنوان نفسه ويعتبر من اجمل النتاجات السينمائية الفرنسية على مر العقود. وللوهلة الأولى يبدو المشهد براقاً ربيعياً مفعماً بالأمل وحب الفن وحب الحياة. غير ان المسألة ليست على مثل هذا التألق. وذلك لأن هؤلاء الناس هم هنا وحولوا انفسهم الى مكتبة، لأن الكتاب، كل كتاب، بات ممنوعاً في تلك الدولة الفاشية الشمولية التي يعيشون فيها. كل كتاب مصيره ان يحرق وكل مكتبة في بيت تعرض صاحب البيت الى السجن. ففي ملكوت السعادة الشمولية"المستقبلية"لا يقوم هنا الجمع وسعادته إلا على إلغاء وحرق كل ما يمت الى الفرد بصلة، بما في ذلك الكتابة والقراءة. لكن الجانب الإيجابي في هذا كله هو ان عقل الإنسان القادر على صنع المعجزات، يقاوم الفاشية وعداءها للفكر والكتاب، بطرق مبتكرة، منها هذه الطريقة التي جعلها راي برادبري، اساساً لروايته.
توضع رواية"فهرنهايت 451"عادة في خانة الروايات المستقبلية، سواء كانت خيالاً علمياً أو لم تكن... وهي تشكل، مع روايتي"1984"لجورج أورويل، وپ"عالم جديد شجاع"لآلدوس هاكسلي، ثلاثية تعبّر أول ما تعبر عن مستقبلات لا يكون للفكر أو لأحلام الفرد فيها مكان. وفي بعض الأحيان تضاف الى هذه الروايات الثلاث رواية انطوني بارغس"البرتقال الآلي"التي حولها ستانلي كوبريك الى فيلم حمل الاسم نفسه. غير ان هذه الإضافة لا تبدو شديدة الإقناع، حتى وإن كان ثمة تشابه بين هذه والثلاث التي سبقتها. مهما يكن من أمر، فإن ما لا يجب ان يغرب عن بالنا هنا، هو ان القاسم المشترك الرئيس بين روايات هاكسلي وأورويل وبرادبري، هو انها - في حقيقتها الجوهرية - لا علاقة لها بالمستقبل بأي حال من الأحوال. فهي - إذ كتبت خلال حقب صعود الفاشية ثم الحرب الأهلية في القرن العشرين - تبدو في حقيقتها متحدثة عن الحاضر أكثر بكثير مما تبدو متحدثة عن المستقبل. ولعل ما يعزز هذه القناعة هو ان الكتّاب الثلاثة اورويل، هاكسلي وبرادبري إنما أرادوا هنا ان يعبروا عن مخاوف آنية، هم الذين كانوا، أصلاً، آتين من مواقع ايديولوجية خيبت آمالهم، إذ تحول ما كان ايجابياً فيها، الى كوابيس اورويل كان يؤمن باليسار الاشتراكي والثورة الروسية، وهاكسلي كان بولشفي الاتجاه بدوره، اما برادبري، فواضح ان ما في خلفية روايته"فهرنهايت 451"إنما هو الممارسات النازية ضد كل فكر وثقافة. ومن هنا واضح ان من الصعب الحديث عن أعمال تنتمي الى الخيال العلمي المستقبلي، بل عن أعمال تنتمي الى ما يمكن تسميته بپ"الخيال السياسي".
إذاً، شكلياً على الأقل، تدور رواية برادبري حول مستقبل، ليس على أي حال بعيداً جداً، تحظّر السلطات فيه كل كتاب ومهما كان شأنه، لأن أفراد المجتمع الذي تحكمه هذه السلطات باتوا من الكآبة والاكفهرار، بحيث لم يعد الواحد منهم ودائماً بحسب تشخيص السلطات نفسها في حاجة الى الآخرين أو إلى اعمال فكرية أو أدبية تذكره بوجود هؤلاء الآخرين. كذلك، وبالتالي فإن كل فكر نقدي ممنوع سواء كان مكتوباً أو شفاهياً. اما الشخصية المحورية هنا فهي شخصية غاي مونتاغ، الذي تستخدمه السلطات، تحديداً، بوصفه"رجل نار"- وليس إطفائياً، طبعاً. كما يعني الاسم بالانكليزية"فايرمان"- ، أي أن وظيفته المحددة هي إحراق الكتب، ومن هنا نراه خلال الأقسام الأولى من الرواية ضمن دوريات تجول بين الأحياء والبيوت لتضرم النار في أي كتاب أو مكتبة يتم العثور عليها. وأما الرقم 451 الذي يحمله العنوان فهو درجة الحرارة على مقياس فهرنهايت التي يحتاجها احتراق كتاب. إن مونتاغ يمتهن هذه الوظيفة، ليس طواعية، بل بالوارثة فأبوه من قبله كان"رجل نار"ايضاً، وكذلك جده. ومن هنا فإنه يمارس المهنة من دون اي عواطف شخصية، ويحرق من دون أحقاد. هي مهنة مثل أي مهنة أخرى. لكن مونتاغ يلتقي ذات مساء بالحسناء كلاريسا ماكليلان، ليكتشف فيها، بعد الإعجاب الشكلي، حرية في الفكر ووعياً وتمسكاً بالمبادئ الليبرالية، ما يدفعه الى البدء في طرح اسئلة حول نفسه وحول حياته ومفهومه الخاص للسعادة. صحيح انه عند تلك الآونة لا يتغير في ما يفعل كثيراً، حتى وإن كان بدأ يتبدل فكرياً. غير ان الذي يحدث بعد ذلك هو انه فيما يكون منهمكاً في إحراق مكتبة وبيت امرأة عجوز، يلتقط كتاباً يفتحه عشوائياً ويقرأ عبارة تستوقفه تقول:"لقد سقط الزمن في مهب النوم تحت وطأة شمس بعد الظهر المشرقة". هو لا يدري تماماً ما الذي استوقفه حقاً في هذه العبارة، لكنه يضع الكتاب في جيبه. اما السيدة العجوز فإنها ترفض مبارحة مكتبتها وبيتها المحترقين مفضلة ان تحترق معهما، مشعلة عود الكبريت بنفسها. من البديهي ان هذا كله بات قادراً على إحداث شرخ في حياته وأفكاره. وإذ تشعر السلطات، ببعض هذا، يزوره رئيسه في بيته ويحدثه حول بعض الأمور قائلاً له، مواربة، انه يحدث حقاً لكل رجل نار ان يسرق كتاباً بدافع الفضول، لكنهم عادة ما يعيدون الكتب المسروقة الى المركز خلال 24 ساعة.
بعد هذه التطورات الأولى تحدث تطورات جديدة، تتحول فيها الصراعات من التلميح الى التصريح، خصوصاً ان مونتاغ، بات مكشوفاً، وبات عليه ان يقاوم لفترة، ثم ان يزايد لفترة أخرى. ولا سيما حين يلتقي فابر أستاذ الإنكليزية الذي يمثل الشخصية المترددة: إنه يعرف ما الذي يتعين عليه فعله، لكنه يبدو دائماً عاجزاً عن الفعل. ومن الشخصيات التي يلتقيها مونتاغ، خلال حقبة تمزقه، غرانجر، قائد جماعة المثقفين المنفيين الذي يتولى الإشراف على المكتبة البشرية المشار إليها. ما يجعله النقيض التام لشخصية الكابتن بيتي، رئيس مونتاغ. فهذا يحرق وذاك ينقذ. أما قبول غرانجر في النهاية بمونتاغ ووثوقه به، فما هو إلا الدليل الأخير على ان مونتاغ قد تبدل في شكل جذري وصار في مقدمة مقاومي الطغيان الشمولي، بعد ان أيقظه الحب من ناحية والكتب من ناحية أخرى على واقع لم يكن له عهد به.
عندما حقق فرانسوا تروفو فيلمه عن"فهرنهايت 451"لم يكن راي برادبري معروفاً خارج الولايات المتحدة، فأضفى عليه الفيلم شهرة كبيرة بدءاً من تاريخ تحقيقه 1966. والجدير ذكره هنا هو ان السيناريو ألغى عدداً من المشاهد والشخصيات، لكن برادبري لم يغضب لذلك ابداً قائلاً ان"تروفو، على أي حال، عرف كيف يلتقط روح الرواية حتى وإن لم يمكّنه الزمن السينمائي المحدود، من دمج كل أحداثها وشخصياتها في الفيلم"، وكانت تلك واحدة من المرات القليلة التي يبدي فيها كاتب رضاه عن فيلم اقتبس عملاً من أعماله. وبرادبري المولود عام 1920 في ولاية إلينوي الأميركية يعتبر اليوم من أشهر كتّاب روايات الخيال العلمي وسبق ان حوّل عدد من رواياته الأخرى الى أفلام، منها"آت من الفضاء الخارجي"وپ"بوق الضباب"وپ"صوت الزوبعة"... وغيرها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.