"النظافة هاجس جماعي وواجب مشترك"، واحدة من العبارات الكثيرة التي تلفت نظر زوار ضاحية "سيدي بوسعيد"التونسية الواقعة في أعالي المنحدر الصخري المطل على قرطاج وخليج تونس. وهي العبارة المفتاح لفهم الجمال السحري الذي يلف المكان الذي يعتبره كثيرون أول موقع محمي في العالم و يعود تأسيسه إلى القرون الوسطى. أما الاسم فيعود إلى ولي صالح هو أبو سعيد الباجي الذي عاش في فترة معاصرة للقطب الصوفي الشيخ أبي الحسن الشاذلي. لا يحتاج زائر تونس العاصمة الى تكبد المشاق للوصول الى تلك البقعة السحرية الواقعة على بعد 30 كيلو متراً، فالقطار الذي لا يزيد سعر تذكرته عن ثلاثة دولارات سيتكفل بنقله الى المكان الاقرب الى"جنة صغيرة"رسمتها الطبيعة بألوان البحر الأبيض المتوسط، حيث يتعانق اللونان الابيض والازرق على واجهات البيوت والمباني ولا يفصل بينهما الا الاخضر القادم من أوراق الشجر أو البرتقال الذي يتساقط في شوارع جرى تبليطها بالحجارة، لتضفي على المكان عراقة مميّزة. وتظهر هذه العراقة جلياً من خلال تأمل المنازل المكسوّة بالجير الأبيض وبالمشربيات الخشبية الزرقاء التي تزينها الورود من كل اتجاه وتكسو حيطانها نبتة"البوغانفيي"الزاهية والى جوارها أبواب نفذتها آلاف الايادي الزكية وتبدو زخارفها أشبه بالعزف الموسيقي. وقبل بلوغ البحر والنزول اليه لا بد من وقفة ضرورية في ساحة المطل التي تشرف على هضاب المرسى وسهل قرطاج، تعقبها نزهة اضافية في الحديقة المتوسطية وهي حديقة قديمة أعادت بلدية"سيدي بوسعيد" تهيئتها بالتعاون مع إمارة موناكو. وتتضمن هذه الحديقة المتاخمة لمنبع مياه"عين تاسات"، ممرات عدّة ومقاعد للراحة ونافورة مياه ذات طابع أندلسي، الى جانب فضاء مظلل مزدان باللونين الأزرق والأبيض وشلالات مياه خلابة. والى جوار الحدائق والألوان الزاهية للمقاهي و"البازارات"، واجب لا يمكن تفاديه، فالقليل من الشاي الاخضر المزود بالنعناع التونسي مع"أرجيلة شامية"في المقاهي العالية، يترك في النفس أثراً لا يمحى، مثله مثل الاستماع الى الموسيقى في مقهى"الشبعان"الواقع فوق ربوة عالية تحرس البحر. وفي قلب تلك الطقوس، هناك حدائق سرية يصعب دخولها، حيث البيوت التي تسكنها صفوة الصفوة من ساسة وديبلوماسيين أجانب وجدوا في المكان وسيلة لضمان"جنة موقتة"على أرض لا تمل من الاحتفاء بالطبيعة. كما تحضر قصور وحدائق عامة تُستثمر لأغراض"السياحة الثقافية"، ومنها قصر النجمة الزهراء، الذي أصبح مركزاً للموسيقى العربية والمتوسطية، واستضاف عدداً من الفعاليات الفنية آخرها مهرجان"موسيقات". ومثل كل الناس الذين احترفوا الامل، يسعى التونسيون الذين يقطنون هذه البقعة الى حمايتها بمزيد من التدليل للطبيعة والمبالغة في الاحتفاء بضيوفهم وغالبيتهم من السياح الأجانب الذين يحسدونهم على خضرة زاهية وزرقة فيروزية لا مثيل لها، وينتظرون الجمال الذي تسعى السلطات المحلية الى اضافته في العام المقبل حيث الرهان على انجاز برنامج مستقبلي لبلوغ معدل 15 متراً مربعاً من المساحة الخضراء لكل ساكن.