قبل ولادتنا بأشهر تنهال على أهلنا توقعات وشعوذات تحدد ما هو مكتوب لنا من شخصية وخط حياة وطباع. هكذا يزعم عالمو الفلك وقارئو الكف. وهناك حالياً مزاعم جديدة أطلقتها مجموعة من الباحثين البريطانيين تقول بأن الفصل الذي نولد فيه يحدد احتمال إقدامنا على الانتحار. ويعتقد هؤلاء الباحثون، بحسب دراسة نشروها في مجلة"طب الامراض العقلية"الفصلية في بريطانيا، أن الأطفال الذي يولدون في فصل الربيع يواجهون خطر الانتحار بنسبة أعلى ب17 في المئة من الذين يولدون في فصل الخريف! ويعود ذلك الى ملاحظتهم أن مواليد فصل الربيع يواجهون خطر الإدمان على الكحول ومشاكل متعلقة بالكآبة أكثر من غيرهم وأن 10 في المئة من المنتحرين في بريطانيا يعانون هاتين المشكلتين. وتقول الدراسة أن هذا عائد أيضاً الى التجارب التي نخوضها في رحم أمهاتنا خلال فترة نمو خلايا العقل. لم يعلق كثير من المواطنين البريطانيين على هذه الدراسة كما لم يعلق عليها رسمياً أو من قبل باحثين آخرين، فهي غير ثابتة علمياً ولا تطرح سوى حل شبه خيالي وهو ضبط الولادة في فصول محددة. ونسبة الانتحار ليست عالية جداً في بريطانيا، لا بل تشكل حالياً أدنى نسبة في تاريخ البلد، ومن المتوقع أن تستمر في الهبوط. ففي سنة واحدة يشكل خمسة آلاف منتحر راشد أي ممن تزيد أعمارهم عن 15 سنة نسبة 1 في المئة فقط من عدد الموتى الراشدين. لكن مساعي وزارة الصحة البريطانية تنصب على خفض عدد المنتحرين في الأماكن العامة كالقفز عن الجسور وتحت القطارات. ويحظر القانون البريطاني المساعدة على الانتحار لمن يعاني كآبة مزمنة أو أمراضاً خطيرة ما يدفع البعض إلى اللجوء الى سويسرا طلباً لما بات يسمى"الموت الرحيم"، علماً أن سويسرا واليابان تسجلان أعلى نسب انتحار عالمية. وكانت مجموعة سويسرية مدعومة من الحزب الديموقراطي الليبرالي البريطاني جاءت إلى لندن للطلب من الحكومة البريطانية تغيير قوانين الانتحار ومساعدة المكتئبين على أخذ حياتهم أينما شاؤوا. وفي المناسبة تحدثت شابة عن تجربة أمها التي أقدمت على"الانتحار بمساعدة"في سويسرا وأخبرت كيف أن أمها التي عانت مرضاً عضالاً حاولت خنق نفسها في منزلها بواسطة كيس بلاستيكي ثم بواسطة تناول الكثير من الأدوية ولم تنجح. فقرر أبناؤها مساعدتها وذهبوا بها الى سويسرا حيث لاقت مساعدة طبية فماتت في سريرها من دون ألم ومحاطة بأولادها. والرجال البريطانيون اكثر إقداماً على الانتحار من النساء وغالبيتهم من الشباب في أوائل الثلاثينات من أعمارهم، أما أعمار النساء المنتحرات فتراوح بين أواخر الأربعينات وحتى الثمانينات. وسجلت دوائر الشرطة انتحار نساء من الأقليات العرقية لأنهن لم ينجبن الصبيان وفتيات واجهن الزواج المدبر. وفي مدينة تركض ولا ترحم كلندن لا تدرك ما يدور حولك من عجائب وأحداث تطرأ على حياة الآخرين حتى الذين يعيشون في المبنى نفسه الذي تسكن فيه. وأكثر ما يصدم القادم حديثاً إلى لندن هو عندما يتوقف المترو وتسمع صوت السائق يعلمك بلهجة انكليزية فائقة البرودة"عذراً على التأخير القطار توقف لأن شخصاً رمى نفسه تحته". تنظر في عيون الركاب فلا ترى أي رد فعل، فتدرك ان من يشاطرك شوارع هذه المدينة له هموم ومشاكل لم تكن لتعرفها قبل أن يلقي بنفسه تحت ذلك القطار.