كنا في أربيل أخيراً على موعد مع جكر خوين، الشاعر الذي ظل متمرداً، يرى الشمس خلف كتل الضباب والغيوم مفعماً بالأمل في قمة لحظات اليأس. مارس جكر خوين السياسة والأدب معاً مثلما ثابر على دور المصلح الاجتماعي في مجتمع ذكوري ينفي الأنثى ويضعها في الصف الثاني على رغم انها الاصل كما تقول نوال السعداوي في كتابها"الأنثى هي الأصل". وعاش الشاعر في الوطن ليذوق الحرمان من الحرية وهاجر الى المنفى ليتذوق الحرية ويحرم من الوطن، انها الخيارات المحدودة المطوقة بأسلاك الكهرباء لكل مبدع كردي... ما زلتُ أتذكر حفلات نوروز في بون وبرلين ولندن وفيينا وفرانكفورت وغيرها من المدن، حيث كانت أغنية كينه ئه م - من نحن؟ مسك الختام لترتفع معها مشاعر الجمهور الى الذروة. حفر جكر خوين لشعر المقاومة في الأدب الكردي اخدوداً وقد أعطى فعل المقاومة بعداً يتجاوز المعنى السياسي الصرف الى الميدان الاجتماعي، وحرض المرأة لتتحرر من أغلال غارقة في القدم فرضت عليها لمنع اسهامها في البناء والتنمية والمشاركة في الأداء والقرار والانتاج والتفكير وهذه ميزة ظلت ترافق حياة الشاعر وشعره. قد لا تكون كل قصائد جكر خوين بالمستوى الفني نفسه لجهة الطاقة الشعرية التعبيرية والخيال والصور فبعضها يختزن كل خرارة وغزارة المعنى وسلاسة المبنى وبعضها تسوده تقريرية مباشرة، لا انها عموماً تمثل سجلاً يؤشر لمقاومة وطن للتجزئة ومقاومة قضية عادلة للتهميش والنسيان. ومجرد كتابته باستمرار بلغته الأم الكردية في تلك الايام الصعبة على رغم علمه بمحدودية التوزيع والانتشار في ظل قلة، بل وأحياناً انعدام المنابر الصحافية الكردية حين بدأ الكتابة، يؤشر لمدى عشق هذا الشاعر للغته التي تعرضت للقمع والمنع والتنكر... ضوء هذا الشاعر وغيره من المبدعين ينبغي ألا ينطفئ بمجرد انتهاء مهرجان، بل ليكن ذلك بداية للمزيد من الاهتمام بحياة هذا الشاعر وشعره. * وكيل وزارة الثقافة في العراق