الشعر عُرف بديوان العرب. دَوَّن المواقف. شرح أنماط الحياة. اعتُبِرَ وسيلة من وسائل حفظ التاريخ وسرده. وبما أننا نعيش عصراً فضائياً، راجت في السنوات الأخيرة البرامج المتخصصة بمسابقات الشعر الشعبي الذي يلقى متابعة واسعة، خصوصاً في منطقة الخليج. آخر المنضمين إلى القافلة الشعرية برنامج"شاعر الإسلام"، الذي تطلقه قناة"المختلف"، وفيه الشيخ عائض القرني على رأس لجنة اختبار المشتركين. وكسواه من البرامج سيعتمد على التصفيات إلى أن يحصل الفائز على اللقب. وسيستضيف عوضاً عن الفنانين والمطربين، المنشدين. لكن هل سينجح البرنامج الجديد في"تجاوز"الأخطاء التي وقع فيها سواه؟ وما هي خطته للتميز أم أنه سيكتفي بالتقليد وتطبيق السياسة التي اتبعتها المحطات الأخرى؟ وهل يتغلب الطابع الديني على النعرات القبلية ونرى شاعراً في شكل مختلف أم أن الاختلاف سيقتصر على الاسم فقط؟ مكاسب تعددت أسماء البرامج الشعرية مع ألقاب تختصر الطريق على الشعراء لتنقلهم إلى"الشهرة". النجاح لا يعتمد فقط على الإلقاء، فللجمهور وللجنة التحكيم ولحضور"الشاعر"دور. كما أن الحظ يلعب دوراً في النجاح والفشل. في السابق، وجد الشعراء مكانهم على صفحات المطبوعات. وثمة مجلات متنوعة تخصص أكثر من نصف صفحاتها للشعر الشعبي، من بينها"فواصل"،"بروز"،"شهد"،"المختلف"وسواها من المطبوعات، تتوزع ما بين مجلة أسبوعية أو شهرية. تضاف إليها المواقع والمنتديات الإلكترونية المتخصصة بالشعر الشعبي، أو تلك التي تضعه ضمن اهتماماتها. حتى ان بعض الشعراء أسس مواقع له. والمهتمون بالشعر خصصوا صفحات على الشبكة العنكبوتية لشعرائهم وأبياتهم المفضلة. والتلفزيون بعد فورة الفضائيات، قدم البرامج الأدبية والشعرية، مع تخصيص فقرات لمشاركات المشاهدين ومسابقات لأفضل مشاركة، إلى أن ظهرت برامج خاصة تحتفي بالشعر، وتنوع تقديمها بين الجنسين، مع غلبة الجنس الناعم. البداية كانت على يد الشاعرة نجاح المساعيد التي عرفها الجمهور في برنامج"نسايم ليل"، الذي عرضته قناة أبو ظبي، تلتها المطربة أريام ببرنامج"جواهر"في تلفزيون دبي، وأميرة الفضل على"روتانا خليجية"وبرنامج"بيت القصيد"... أما نقطة التحول أو"النقلة"فبدأت قبل ثلاث سنوات، مع تخصيص برامج بموازنات كبيرة للشعر الشعبي، ولعل أكثرها حضوراً"شاعر المليون"وپ"أمير الشعراء"على قناة أبو ظبي. نجاح هذين البرنامجين أدى إلى ظهور عدد من هذه المسابقات بينها"بحر القوافي"على"تلفزيون قطر"،"نجم القصيد"على"نجوم"،"الشعر والناس"على شاشة"السومرية"،"ليلة شعر"على قناة"الإنسانية"، وسواها من القنوات التي قررت ركوب"الموجة الشعرية"، لاستغلال الفرصة، وأخذ جزء من الربح الذي حققته هذه البرامج. بعضهم فضل أن يتفرغ في شكل كاملٍ للشعر الشعبي والنبطي، معتمداً على المجلات المتخصصة التي صدرت سابقاً، والانتشار الذي حققته العودة القوية للأدب على الشاشة بما يشبه الثورة، ربما حفاظاً على التراث، أو للكسب المادي... وغالباً للاثنين معاً. وهكذا دشنت فضائيات متخصصة بهذا النوع من الفنون، أو أعادت أخرى هيكلتها لتتناسب مع"المشروع الجديد"، وتدعمه بتغطية يوميات المشتركين، أو متابعة نشاطات الشعراء وآخر إصداراتهم. وسرعان ما ظهرت سلسلة قنوات من هذا النوع، منها"فواصل"،"المختلف"،"الساحة"،"نجوم 3"،"الصحراء"،"البوادي"، وسواها من القنوات التي تجاوز عددها العشرين. وما ساعد على ظهور هذه الشاشات هو أن تكلفة إنشاء إحداها لا تتجاوز مليون ونصف مليون ريال، ثم انها تعتمد مادياً على الرعاة، من رجال أعمال وشعراء، إضافة إلى رسائل"أس أم أس"، والقليل من الإعلانات. وعلى رغم المكاسب التي حققتها برامج الشعر، المدعومة من أهم الهيئات الثقافية والقنوات المعروفة، إلا أنها لقيت نقداً واسعاً بسبب إثارتها في شكل مقصود أو غير مقصود، للنعرة والتعصب القبلي بين المتسابقين والمشاهدين الذين وجدوا في الساحات الأدبية والمواقع الإلكترونية، مساحةً واسعةً للتفاخر والتقليل من شأن الآخرين. إضافة إلى شكاوى بعض المشاركين من"عدم الإنصاف"في تقويم لجان التحكيم والجمهور، والأخير يتأثر بمفاهيم وعادات قبلية، تظهر آثارها بمجرد ترشيح أسماء المشاركين. ورسائل الخليوي خير دليل على جمع حشود الموالين للشاعر ابن البلد، أو ابن القبيلة. ...و "شاعر المليون" يربح إشادة من "سي أن أن" أثار برنامج "شاعر المليون" اهتمام قناة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية التي عرضت على شاشتها تقريراً قصيراً وصف البرنامج بأنه الأول من حيث المُشاهدة في الوطن العربي، ويتابعه 70 مليون مشاهد. وأشادت"سي أن أن"بالبرنامج الذي يرعاه ويدعمه ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتنتجه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وتنفذه شركة بيراميديا. وتطرق التقرير إلى التجهيزات الفنية التي ينفذها فريق البرنامج قبل بداية كل حلقة، كما عرض بعض الأراء النقدية لأعضاء لجنة تحكيم البرنامج، وهم: سلطان العميمي من الإمارات، تركي المريخي من السعودية، غسان الحسن من الأردن، حمد السعيد وبدر صفوق من الكويت. وتناول مُذيع التقرير ويلف دينيك رأي المتسابق مهدي آل حيدر السعودية، في القنوات والمسابقات الشعرية، التي يرى أنها"بدائل عظيمة للشعراء". كما تناول التقرير موضوع"التسامح" في قصيدة آل حيدر الذي تطرق إليه المتسابق السعودي في الحلقة الثانية من المرحلة الثانية للبرنامج، إذ قال: "متسامح أمريكا تجي تعلن الحرب...على أقرباي وما من الخيل جامح. متسامح أشاهد اخواني تحت ضرب.... فأبوغريب معريين الملامح". وفي التقرير مقابلة مع الإعلامية نشوة الرويني، التي لم تتوقع- على حد تعبيرها-"النجاح الكبير الذي حظي به البرنامج، الى درجة جعلته حديث كل الأوساط الإعلامية، وأصبح أحد أهم المحطات الإعلامية في تاريخ الثقافة الشعبية الخليجية". وأضافت:"برنامج"شاعر المليون"أحدث نقلة نوعية في الثقافة العربية، وغيَّر وجه الإعلام العربي، بعدما انغمس بوسائله المختلفة في البرامج الرديئة التي تعتمد على الترفيه الذي يضرب عرض الحائط بعاداتنا وتقاليدنا، ما دفعنا اليوم الى أن نذكّر كل عربي بالثقافة والحضارة العربية، وبتراثنا العربي الذي يجعلنا نفخر بعروبتنا". وتضمن التقرير أيضاً لقاء مع مذيعة البرنامج دارين خليفة.