قبل أسابيع قليلة، وإذ أعلن في لندن عن احتفالات اسكتلندية بالذكرى المئوية لولادة المخرج دافيد لين، نشرت صحيفة"دايلي تلغراف"مقالاً بدا عنوانه، للوهلة الأولى، استفزازياً بل استنكارياً:"لماذا علينا أن نحتفل بمئوية دافيد لين؟". طبعاً المقال كان غير ذلك... بل بدا متناسباً أكثر مع عنوان مقال آخر نشرته الصحيفة نفسها بعد أيام ويقول:"بطل السينما البريطانية المنسي". طبعاً لا يمكن موافقة الصحيفة على أن دافيد لين منسيّ تماماً. ولكن في المقابل يمكن القول معها إن لين هو بالفعل البطل الحقيقي لتاريخ هذه السينما، ما يجعله يستحق دائماً أن يذكر أكثر كثيراً مما هي الحال. وقد أثبتت احتفالات المئوية مكانته الأساسية والكبرى في سينما قد لا تكون على ازدهار أختها الأميركية، لكنها بالتأكيد من القوة دائماً بحيث اعتادت أن تزود هوليوود بخيرة المواهب، تمثيلاً وكتابة وإخراجاً. وقد لا نكون هنا في حاجة الى إيراد لائحة تضم مئات الأسماء تبدأ بشابلن وهتشكوك ولا تنتهي بفيفيان لي ولورانس أوليفييه وكاري غرانت. فحديثنا هنا هو عن دافيد لين، الذي لن نكون مبالغين إن قلنا هنا إن أهل السينما والتاريخ العربيين كان يجب أن يكونون من بين المحتفلين بذكراه، هو الذي أعطى السينما العالمية واحداً من أعظم الأفلام التي صورت جزءاً من تاريخ العرب، موضحة للعالم منذ ما يقارب نصف القرن كيف أن تاريخهم في القرن العشرين إنما بني على لعبة غدر مارسها الحلفاء عليهم خلال الحرب العالمية الأولى كي يؤلبوهم ضد الأتراك واعدينهم بالممالك والفراديس، متخلين عنهم في النهاية. صحيح ان دافيد لين صور هذا من خلال مواطنه لورانس وردود فعل هذا الأخير على تلك الخيانة، لكنه صوره مع ذلك وفي شكل جعل الصورة تختلف عما كانت عليه، ليس صورة لورانس وحده، بل صورة التاريخ العربي في القرن العشرين. الأكثر ضخامة حدث هذا طبعاً في فيلم"لورانس العرب"1962 الذي لا يزال يصنف حتى اليوم واحداً من أعظم الأفلام في تاريخ السينما العالمية، مضفياً على مسار دافيد لين شهرة في منتهى الضخامة. غير أن هذا المخرج الذي رحل عن عالمنا قبل سبع عشرة سنة، عن عمر يناهز الثالثة والثمانين، لم يكن في حاجة ماسة الى"لورانس العرب"حتى يحقق مكانته الكبرى في السينما العالمية. إذ قبله مباشرة، كان حقق رائعة تاريخية أخرى هي"جسر على نهر كواي"عن واحد من فصول الحرب العالمية الثانية، بادئاً به تلك المسيرة التي أنتجت ما مجموعه خمسة أفلام كانت في زمنها من الأكثر ضخامة ونجاحاً وعالمية أيضاً، في تاريخ الفن السينمائي. غير أن ضخامة هذه الأفلام، لم تخف الفكر الإنساني والمعادي للكولونيالية والعنصرية الذي حملته تلك الأفلام. فمن"جسر على نهر كواي"1957 الى الأخير"ممر الى الهند"1984 مروراً بپ"لورانس العرب"وپ"دكتور جيفاغو"1965 وپ"ابنة رايان"1970، حقق لين ما يشبه خماسية دنت مباشرة من قضايا شائكة وشديدة الأهمية: الحرب، غدر الدول الكبرى بالصغرى، المصالحة بين الشعوب، مصير الفرد في مواجهة الأحداث الكبرى، أكل الثورات لأبنائها وتضحيتها بالبراءة على مذبح الانتصار والسيطرة بأي ثمن، وهبوط الثورة الى الدرك الأسفل حين تتحول الى دولة. صحيح ان دافيد لين اشتغل دائماً انطلاقاً من نصوص وسيناريوات كتبها آخرون، لكنه كان واضح الاختيارات والتدخل في نهاية الأمر، سواء أفلم رواية لبوريس باسترناك عن الثورة الروسية، أو كتاباً لفورستر عن الاحتلال الإنكليزي للهند، أو رواية معروفة عن الصراع الديني والعرقي بين الإيرلنديين والإنكليز... الخ. في هذا الإطار قد يصح القول إن دافيد لين، ومهما كان رأينا في أفلامه أو مثلاً في تفسيره لأسطورة لورانس، هو ابن مدرسة ليبرالية لا تستنكف عن إدانة المستعمرين والعنصريين والمتعصبين، الى أي لون أو دولة أو تاريخ انتموا. أما تغليفه هذا كله بضخامة الإنتاج وإغراق فكر العمل في الملابس والمواقف، فأسلوب سيبدو ناجحاً في نهاية الأمر، خصوصاً إن نحن أدركنا أن أفلامه اشتغلت، دائماً، في شكل إيجابي على تغيير الذهنيات الغربية وإزالة الأفكار والأحكام المسبقة. ترى، إزاء هذا كله، هل يعود مهماً أن يكتب مؤرخ متخصص في"لورانس"مثل جريمي ويلسون عشرات الصفحات ليقول إن فيلم لين لم يكن أميناً لتاريخ لورانس كما يجب؟ وهل يعود مهماً أن يغضب أنصار الثورة الروسية من الستالينيين لپ"تشويه"لين صورة ثورتهم المظفرة؟ أو يغضب الإرلنديون الخالصون لأن بنتاً من عندهم أحبت إنكليزياً وتعاطف المخرج معها في"ابنة رايان"؟ السر الذي كان يملكه مهما يكن من أمر يبقى أن كل هذا، لم يأت على الطريقة النضالية المملة المعهودة، بل جاء في انتاجات ضخمة كان دافيد لين يملك سرها، الى درجة أن كثراً من كبار المخرجين من أبناء الأجيال التالية من كوبولا الى ريتشارد اتنبورو، ومن لوكاس وسبيلبرغ الى جو رايت وردلي سكوت اعتبروه أستاذهم ورائدهم. لكن لين كان يملك أيضاً تلك القدرة المدهشة على المزج بين ما هو شديد الحميمية وما هو استعراضي حتى الجنون. لكن هذا يجب ألا يعتبر غريباً من فنان حقق في العام 1945، واحداً من أكثر الأفلام غرامية وحميمية في تاريخ السينما الإنكليزية"لقاء قصير"الذي لم يتوقف السينمائيون عن محاكاته حتى اليوم. إنه ذلك الفيلم الذي يتحدث عن غرام زوجة وأم وربة منزل، بشاب ومحاولتها التخلص من ذلك الغرام الذي طبع حياتها ووجودها. صحيح أن لين كان قبل"لقاء قصير"قد حقق ثلاثة أفلام أخرى هي"التي نخدم فيها"- 1942،"النسل السعيد"- 1944، و"روح الابتهاج"- 1945، لكن"لقاء قصير"كان هو انطلاقته الكبرى، ذلك أن هذا الفيلم دار حول العالم وحقق الجوائز والنجاحات، ما شجع مخرجه على أن يقدم خلال الأعوام الثلاثة التالية على مغامرتين أكدتا حضوره وقوته السينمائيين ولغته الديناميكية التي بدت جديدة متأمركة إذا شئتم! عن عالم السينما الإنكليزية في ذلك الحين. وهاتان المغامرتان حملتا عنواني"آمال كبيرة"1946، وپ"أوليفر تويست"1948. والواقع ان القارئ النبيه لن يفوته ان العملين مقتبسان من روايتين شهيرتين لتشارلز ديكنز. قبل دافيد لين، كان كثر من المخرجين قد حققوا أفلاماً عن روايات ديكنز، لكن الواقع يقول لنا إن لين كان أول الذين حولوا أدب كاتب البؤس اللندني الكبير، الى لغة سينمائية حقيقية. قبله كان النقل يتم في لغة"أدبية"جامدة تكاد تكون ترجمة حرفية للغة ديكنز. مع لين صرنا أمام سينما حقيقية ولعب توليف ذكية، الى درجة أن"أوليفر تويست"الذي حققه يظل حتى اليوم المفضل لدى النقاد والمؤرخين، حتى وإن كان كبار من أمثال كارول ريد ورومان بولانسكي، خاضوا التجربة نفسها بعد حين. بعد كل شيء، وعلى رغم أن لائحة أفلام دافيد لين، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى رحيله، تحمل أسماء أفلام مميزة معظمها حقق نجاحات تجارية لم تكن مؤكدة على أي حال عند تحقيق الفيلم بحيث يقال دائماً إن كل فيلم من أفلام دافيد لين يتخذ شكل مجازفة"مالية"حقيقية، فإن هذا المخرج كان مقلاً نسبياً، حيث انه، خلال ما يقرب من نصف قرن، مضى بين فيلمه الأول ورحيله، لم يحقق سوى 16 فيلماً. لكن دافيد لين وعلى غرار كبار مبدعي الفن السابع، حمل من المشاريع في حياته أكثر مما نفذ بكثير. ونكاد نقول هنا، استناداً الى السيَر الكثيرة التي كتبت عنه، مأذونة أو غير مأذونة، انه فكر في فترة أو في أخرى من حياته بأفلمة عدد من أهم الروايات الإنكليزية وغير الإنكليزية، من"قلب الظلمات"لكونراد، الى"يوليسيس"جيمس جويس، كما انه فكر ذات حقبة بأن يحقق فيلماً"شديد الذاتية"كما يقول عن ونستون تشرشل، موضحاً ما لهذا وما عليه، وانطلاقا ربما من موقفه النقدي من الحس الكولونيالي البريطاني. ويرى البعض أن"لورانس العرب"بموقفه الناقد، سياسياً، ربما يكون قد أغناه عن ذلك الجهد. حتى الرمق الأخير في الأحوال كافة لم يكن في صبا دافيد لين وشبابه الباكر، ما يشي بأنه سيكون سينمائياً كبيراً، أو بأن موقف الناقد من بعض سياسات بلده سيكون ما كان عليه. فهو ولد في إحدى ضواحي لندن لوالدين من طائفة الكويكر المتزمتة، ودرس في مدارس هذه الطائفة. وهو بدأ يخوض الحياة والعمل معاً، حين دخل وهو، بعد دون العشرين من عمره، عالم المهن الفنية ليبدأ عامل كلاكيت في السينما التي كانت تنتج في لندن في ذلك الحين. وهو أخذ بعد ذلك يتدرج صعوداً في المهنة، بفضل جهده وفضوله، حتى أصبح مولفاً مونتيراً لدى شركة غومون يعمل على توليف الأخبار السينمائية، ومن هناك انتقل الى توليف الأفلام الطويلة، فاعتبر الى حد ما مسؤولاً عن تحسين وضعية أفلام أسند إليه توليفها ومنها ما هو مقتبس عن جورج برنارد شو، وما هو من إخراج الثنائي الإنكليزي اللامع في ذلك الحين: باول وبرسبرغر. بعد هذا لم يعد بينه وبين الإخراج سوى خطوة خطاها، شراكة مع ذاك الذي سيصبح رفيقه وكاتب بعض أول أفلامه: نويل كوارد، لا سيما في الفيلم الأول. ولسوف يكتب له كوارد معظم أفلامه التالية، بما فيها فيلم النجاح الأول"لقاء قصير"، ليحل محله، بعد ذلك تيرنس راتيغن ثم روبرت بولت كاتب"لورانس العرب". ودافيد لين، الذي اشتهر بوفائه اشتهاره بقسوته وديكتاتوريته في العمل، ظل وفياً لكل أولئك الذين سلكوا معه درب النجاح، وظل يذكرهم بالخير ويعزو إليهم"الفضل الأول"في نجاحاته حتى النهاية. ويبقى أن نذكر أخيراً أن دافيد لين، الذي كان اعتاد خلال العقود الأخيرة من حياته أن يحقق فيلماً ضخماً مرة كل 5 أو 6 سنوات، كان يستعد حين أقعده المرض الذي سيميته عن 83 سنة، لتحقيق فيلم ضخم كان وعد بأنه سيكون الأخير عن رواية"نوسترومو"لجوزف كونراد، من بطولة مارلون براندو وأنطوني كوين وبول سكوفيلد، الذي رحل عن عالمنا قبل أيام. صاحب "لورانس العرب" في ذكريات دكتور جيفاغو والشريف علي . عمر الشريف : يوم أدرك دافيد خطأه وأعاد توليف الفيلم "لقد كان رجلاً شديد القسوة. مغرقاً في أناينته. لا يرحم أحداً". هذه العبارات، إذ تقال عن دافيد لين، في أيامنا هذه، أو حتى في أي أيام أخرى، قد لا تثير أي اعتراض، ذلك أن هذه الأوصاف التصقت دائماً بصاحب"لورانس العرب"ولم تخل منها أية سيرة كتبت له. لكنها إذ تنسب الى عمر الشريف، النجم المصري الذي نعرف جميعاً ? ويعترف هو دائماً ان دافيد لين كان هو الذي أطلقه في سماء ما يعرف ب"العالمية"، تصبح شديدة الغرابة. ذلك أن في معظم تصريحاته خلال العقود الأربعة الماضية، لم يسبق لعمر الشريف أن قال كلاماً في هذه القسوة عن المخرج الإنكليزي الكبير الراحل. غير أن الأمر سيبدو أكثر غرابة إن نحن أدركنا أن هذه العبارات التي ذكرت في مقال نشرته صحيفة"دايلي تلغراف"أخيراً، لمناسبة الاحتفال بمئوية دافيد لين، إنما قالها الشريف حين كان لين يصور فيلم"دكتور جيفاغو"أواسط ستينات القرن الماضي، وخلال التصوير. لكنها نسيت بعد ذلك حتى جرى التذكير بها اليوم. ومثلها كذلك عبارة قاسية أخرى لأليك غينيس، الذي يدين بدوره بالكثير الى دافيد لين، إذ وصفه يوماً بأنه"شخص غير جدير بالثقة"... والواقع ان الذين عرفوا لين من خلال سينماه هم وحدهم الذين قد يستغربون هذا الكلام، أما الذين عرفوه عن كثب فلا يستغربون. بل يمكن للواحد منهم أن يقول لك إن هذا أصلاً ما صنع صلابة سينماه وقوتها. سينما كانت تحتاج دائماً، لضخامتها، الى ديكتاتورية فنان يقود سفينتها بقسوة وأنانية. وربما يكون هذا مراد عمر الشريف من قوله. فالشريف بعد كل شيء، وفي عشرات الأحاديث الصحافية لم يوفر كلمة حق وإكبار كان يمكن أن تقال عن دافيد لين. ترى ألم يعطه هذا أكبر دورين سينمائيين لعبهما في حياته، الدور الذي قدمه الى العالم الشريف علي في"لورانس العرب" والدور الذي خلد اسمه بين كبار نجوم السينما العالمية دور الدكتور في"دكتور جيفاغو"؟ ومن الواضح هنا أن دافيد لين لا يمكن اعتباره مسؤولاً إن كان نجمنا المصري الوسيم دائماً، لم يعرف بعد هذين الفيلمين كيف يحصل على أدوار كبيرة أخرى تضاهي ذينك الدورين، على رغم أدائه وحضوره الجيدين في عشرات الأفلام العالمية قبل أن يعود الى مصر في السنوات الأخيرة ليمثل في أفلامها وحلقاتها التلفزيونية. اليوم بعد نحو نصف قرن من بداياته في السينما العالمية، مع دافيد لين، يبدو عمر الشريف متذكراً لكل لحظة من لحظات تعاونهما، ولكل خطوة خطواها معاً. بل حتى للقاء الأول الذي جمع بينهما في الصحراء الأردنية، في مشهد يقول عمر الشريف دائماً إنه جدير بأن يكون جزءاً من عمل سينمائي كبير. ومهما يكن فإن هذا المشهد يكاد يتطابق مع اللقطة الأولى لظهور الشريف علي في"لورانس العرب"، حيث تلتقطه الكاميرا آتياً من بعيد، من ضباب يبدو كالسراب، متقدماً متقدماً حتى يصل. ويحلو لعمر الشريف دائماً أن يكنّي بتلك اللقطة على ظهوره الحقيقي في هذه السينما. غير أن ذكرياته عن أستاذه، لا تقف، في الحقيقة عند هذا الحد... بل تتجاوزه طبعاً لتصل الى تفاصيل التفاصيل المتعلقة بالفيلم التالي"دكتور جيفاغو". وها هو يروي للصحافة، بعد كل ذلك الزمن، تفاصيل ليلة العرض الأول، في نيويورك ل"دكتور جيفاغو":"... بعد ليلة الافتتاح توجهنا لتناول الطعام في نادي 21 النيويوركي، أو ربما في مكان آخر. وفي طريقنا رحنا نقرأ أولى الملاحظات والمقالات التي بدأت تنشر حول الفيلم... وكانت رهيبة غير مشجعة على الإطلاق. أما دافيد لين فقد أخذ يدخن سيكارة لها فم معدني طويل... ويفكر بعمق قبل أن يلتفت إلي قائلاً:"أتدري يا عمر، لقد أدركت الخطأ الذي ارتكبته. لقد ولّفت الفيلم توليفاً خاطئاً تماماً. كان عليّ أن أعود وأُوَلّف الفيلم من جديد". وبالفعل عاد دافيد الى الاستوديو منذ صباح اليوم التالي وأعاد تقطيع الفيلم وهو يتفوه بملاحظات مثل:"لقد كان على الموسيقى أن تتدخل هنا قبل 4 كادرات، أو بعد 4 كادرات"، وپ"هنا تبدو هذه اللقطة الكبيرة طويلة زمنياً بعض الشيء أو أقصر مما يجب". وعلى هذا النحو أعاد تقطيع الفيلم وطبعه من جديد. وحين عرض"دكتور جيفاغو"بذلك الشكل المعدل، تجاوب معه الجمهور في شكل متزايد، حتى اللحظة التي صار فيها الفيلم واحداً من أنجح الأفلام في تاريخ السينما. وبدا واضحاً أن دافيد كان على حق. أما عن"لورانس العرب"فيقول عمر الشريف إن تصويره استغرق عشرين شهراً:"عشرين شهراً قضيناها هناك في الصحراء مرتدين الثياب نفسها كل يوم. وكان دافيد لين شديد العناية بكل لقطة وبأن نبقي على مظهرنا، بيتر أوتول وأنا، كما هو. وكان يحدث أحياناً أن ننتظر ساعات يوم بكامله حتى تمر غيمة عابرة أو تعود.... على العموم أعتقد بأن العثور على أحد كي يموّل"لورنس العرب"كان أشبه بمعجزة. ذلك أن الفيلم، الى صعوبته، احتاج أموالاً طائلة تضاهي 200 مليون دولار بأسعار ايامنا هذه. والأدهى من هذا انه كان فيلماً من دون نجوم. فمعظمنا كان يخوض هنا تجربته الأولى. صحيح كان معنا أليك غينيس وأنطوني كوين لكن دوريهما كانا ثانويين. ثم ان الفيلم كان عن عرب يقطعون الصحارى على ظهور الجمال ذاهبين يميناً أو يساراً. وليس ثمة في الفيلم نساء. كنا نتساءل: هل سيهتم الجمهور العريض بهؤلاء العرب، وينسى غياب النساء ليعيد الى المنتجين المال المستثمر؟ لقد كان رهاناً كبيراً خصوصاً من جانب دافيد لين الذي كان خارجاً لتوه من مغامرة أكثر صعوبة في فيلم"جسر على نهر كواي"...