يقال إن أكبر قدر من الكذب يحدث قبل انتخابات، وخلال حرب وبعد رحلة صيد سمك، غير أن حرب العراق "غير شكل"، والكذب سبق الحرب، ورافقها ولا يزال مستمراً. ومع انهيار الاقتصاد الأميركي بسبب الحرب فقد اجترح جورج بوش "فقراء حرب" بعد أن كنا نسمع عن "أثرياء حرب". كنت كتبت عن الحرب على العراق في ذكراها الخامسة الأسبوع الماضي ثلاث حلقات حاولت جهدي فيها أن أكون موضوعياً، ولعلي كنت موضوعياً أكثر من اللازم، فمنذ أيام، وحتى كتابة هذه السطور وأنا أجمع ما نشر في ذكرى الحرب، من الصحف الكبرى الأميركية والبريطانية، ومن مراكز البحث المختلفة، وقد وجدت أن صحافتي البلدين والخبراء على جانبي المحيط الأطلسي كانوا أشد مني على إدارة بوش وإدارة الحرب وما أوقعت من كوارث، فقد كانت هناك دراسات بحجم كتب، وملاحق خاصة لا مجرد تحقيقات أو مقالات. واخترت اليوم أن أنقل بعض ما قرأت، والأصول كلها محفوظة عندي، فنحن أهل الفقيد العراقي، وقد نتهم بأننا فريق، غير أن المادة التي اتوكأ عليها اليوم هي من الفريق الآخر، وشاهد على الحرب من أهلها. وهكذا: افتتاحية بعنوان "المهمة لم تنجز بعد" مستوحى من إعلان بوش في 1/5/2003 ان المهمة أنجزت، تقول: إن ما اعتقد الناس أنه حرب منتصرة، سريعة وتكنولوجية، تحول الى عنف طائفي وتمرد وتفجيرات وتعذيب في غوانتانامو وأبو غريب وسجون سرية. ولا يزال بوش حتى اليوم يزعم أن جنود الجيش العراقي اختفوا ثم عادوا ليمارسوا العنف، مع أن العالم يعرف أن المبعوث الأميركي بول بريمر هو الذي حل الجيش وأطلق الكارثة. ذكرى الحرب رافقتها تظاهرات ومسيرات احتجاج في المدن الكبرى الأميركية، وفي أوروبا وحول العالم، ولو ان عصابة الحرب أصغت الى الملايين الذين تظاهروا عشية الحرب، مسجلين أرقاماً قياسية في بريطانيا مثلاً، لربما كانت الولاياتالمتحدةوبريطانيا تجنبتا الكارثة التالية. الرئيس بوش الذي أعلن أنه كسب الحرب، وعاش ليندم على تعجله، قال في أحد خطاباته في ذكرى الحرب: إن أميركا تستطيع الفوز بالحرب، ويجب أن تفوز بها، والعراق هو الجبهة الأمامية للحرب على الإرهاب. وكان خطابه الأول جاء بعد قتل ثمانية جنود أميركيين في العراق، وألقى خطابه الثاني فقتل أربعة جنود، ولم تنشر هذه السطور حتى كان عدد القتلى الأميركيين بلغ رقم الأربعة آلاف ثم تجاوزه، ومع عمليات انتحارية كبيرة. كانت هناك تحقيقات ومقالات عن عدد القتلى من العراقيين في الحرب، وقرأت أرقاماً راوحت بين مئة الف ومليون ضحية، والفريقان اللذان يخفضان الأرقام أو يرفعانها يتبادلان التهم عن المبالغة في هذا الاتجاه أو ذاك، لأسباب سياسية. وبما أن أصحاب الأرقام العليا مؤسسات بحث وجامعات وهيئات طبية مستقلة من أعلى مستوى فإنني أميل الى تصديقها، والقارئ يستطيع أن يختار بين أقل أرقام طلعتْ بها وأقلها 600 ألف قتيل، أما أعلاها ففي حدود المليون. كان الرئيس الأميركي يفاخر بعمل مجالس الصحوة فيما المسلحون من هذه المجالس يعلنون أنهم سيتوقفون عن العمل إذا لم تُدفع لهم أجورهم بانتظام، والمعروف ان المسلح من هؤلاء يتقاضى 300 دولار في الشهر وهناك حوالى 90 ألف رجل أقدر شخصياً أنهم سيوجهون سلاحهم الى الأميركيين إذا لم يدفعوا لهم. إذا لم يكن الكذب على أرقام القتلى في الحرب، أو طبيعة عمل مجالس الصحوة، فهو على النفقات المالية للحرب. عندما "باعت" الإدارة الحرب للأميركيين قدرت نفقاتها بحوالى 50 الى 60 بليون دولار، انتاج العراق من النفط يكفي لتأمينها. اليوم الرقم الأقل لنفقات الحرب هو 600 بليون دولار، وهناك مراجع ثقة جعلت النفقات في حدود ثلاثة ترليونات دولار، وأخرى رفعتها الى خمسة ترليونات. وكما قلت في البداية فمصادري كلها غربية ومن الأكثر صدقية وخبرة. كيف وقعت الكارثة؟ كانت هناك تحقيقات عدة عن نقاط أصبحت من المسلمات مثل تلفيق أسباب الحرب، وخوضها بعدد من الجنود أقل كثيراً من المطلوب للسيطرة على البلد، ثم طرد البعثيين من العمل الرسمي وتسريح الجيش، والتعذيب وكل ما يجب أن يحاكم ديك تشيني عليه. ولكن إذا لم تفز أميركا بالحرب فمن انتصر؟ قد لا يكون هناك منتصر واضح، إلا أن أبرز الكاسبين كانا إيران والقاعدة، وإيران عززت تفوذها في المنطقة بإزاحة أميركا صدام حسين، فيما كانت إدارة جورج بوش تحاول عزلها، وحتى ضربها، أما القاعدة فلم تكن موجودة في العراق، فأدخلها الاحتلال بلداً ما كانت لتحلم بالعمل فيه وصدام حسين في الحكم. بالمناسبة، تزامنت الذكرى الخامسة للحرب مع إصدار وزارة الدفاع الأميركية دراسة مفصلة بدأ العمل عليها بعد الاحتلال، وتناولت 600 ألف وثيقة حكومية عراقية قبل أن تخلص الى القول إن عراق صدام حسين لم تكن له علاقة بالقاعدة، وهو ما نعرف جميعاً من دون الحاجة الى دراسة وثائق. وسؤال أخير؟ كيف ستنتهي الحرب على العراق؟ لم أجد جواباً مقنعاً، فقد كان هناك الذي توقع أن يتفق السنّة والشيعة والأكراد، ويقوم حكم فدرالي ديموقراطي. والذي توقع تقسيم البلاد. شخصياً لا أعرف الجواب ولكن أطالب بمحاكمة كل الأشخاص الذين لعبوا دوراً في تدمير العراق وقتل أبنائه، وهناك أدلة كافية قاطعة لإدانتهم.