من بين القواعد العريقة للديبلوماسية المصرية أن إدارة علاقات مصر الاعتيادية بدول العالم المختلفة تتم عبر وزارات وهيئات وأجهزة سياسية عدة تحت القيادة الميدانية اليومية لوزارة الخارجية، فإذا كانت العلاقات بين مصر وإحدى دول العالم تتسم بالخصوصية الإيجابية أو السلبية يتم نقل القيادة الميدانية اليومية للعمل الديبلوماسي المصري في هذه الدولة إلى الجهة الأكثر اختصاصاً سواء كانت ذات طابع سيادي أو خدمي أو اقتصادي، أما إذا تعرض أحد الشعوب الصديقة لكارثة طبيعية أو بشرية كالزلازل والبراكين أو كالحروب والفوضى فإنه يتم نقل تلك القيادة إلى الجيش المصري الذي يبادر بإيفاد وحداته المتخصصة للتعامل مع الكارثة والسيطرة عليها. وإذا كان أهل البيت أولى بالمعروف فإن الشعب المصري يتعرض حالياً لكارثة انهيار نظام الخدمات العامة، وهي الكارثة التي تفاقمت خلال العقد الأخير بشكل أسفر عن تزايد المظالم، وبالتالي تزايد الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إلى الدرجة التي باتت تهدد الوطن بكل مقوماته من شعب وأرض ودولة بخطر الانزلاق إلى هاوية الفوضى، على رغم أن نظام الخدمات العامة يقع دستورياً وقانونياً تحت مسؤولية مؤسسات رسمية"مدنية"عدة كأجهزة الحكم المحلي والوزارات الخدمية في الهيئات التابعة لها والهيئات الخدمية التابعة للوزارات السيادية والاقتصادية إلى جانب المؤسسات الخاصة والتعاونية والنقابية العاملة في المجال الخدمي تحت إشراف المؤسسات الرسمية المذكورة، علماً بأن تعدد الجهات المسؤولة عن نظام الخدمات العامة بما احتواه من تضارب في الاختصاصات خلق المناخ الأنسب للفاسدين والمفسدين لدفعه نحو المزيد من الانهيار، وفشلت كل محاولات إصلاحه وتقويمه بما في ذلك الحيلة الأخيرة التي تمثلت في الاستعانة ببعض العسكريين"السابقين"بتوليتهم المواقع القيادية في نظام الخدمات العامة مع الإبقاء على المناخ نفسه والآليات والأدوات الفاسدة كما هي. وهكذا لم يعد باقياً أمام الدولة المصرية سوى نسف هذا النظام من أساسه ونقل القيادة الميدانية اليومية للعمل الخدمي إلى الجيش الوطني ليبادر بإقامة نظام جديد للخدمات العامة يديره قادته"العاملون"في الخدمة العسكرية بأدواتهم وآلياتهم ومناخهم الانضباطي أسوة بتجاربهم السابقة العديدة الناجحة في مختلف المجالات والمواقع لا سيما في أزمنة الطوارئ. إن الرشد السياسي يقتضي من المدنيين في الحكم والمعارضة معاً تجاوز المخاوف والحساسيات التاريخية والسمو فوق الاعتبارات التنافسية الضيقة والترحيب بالدور المأمول للجيش المصري في إصلاح نظام الخدمات العامة سعياً لإزالة المظالم وتخفيف الاحتقان الجماهيري وصولاً إلى إنقاذ الوطن من الوقوع في مستنقع الفوضى بما يتفق مع"عشم"الجماهير المصرية والذي تجلى في استنجادها بجيشها الوطني وهي تردد خلال الأزمات هتافها الشهير"واحد، اثنين الجيش المصري فين؟"وهو عشم في محله لا سيما لو أدرك القادة العسكريون أن إنقاذ الوطن من الفوضى يتطلب تخفيف الاحتقان بإزالة المظالم وهو ما يتطلب بدوره تعويض أصحاب المظالم بحسن معاملتهم وترضيتهم لكسب ودهم بهدف إزالة بعض الصور الذهنية السلبية عن قسوة بعض أجدادنا وآبائنا العسكريين في معاملة بعض أجدادنا وآبائنا المدنيين في بعض ما سبق من أزمنة وعهود. * كاتب مصري