لعل توالي الأحداث وتراجيديتها في فلسطين جعل البعض ينسى فيلم "جنين، جنين" للمخرج الفلسطيني محمد بكري الذي بات وحيدا في مواجهة الدعوى القضائية الإسرائيلية المستمرة التي رفعت ضده في أعقاب عرض الفيلم. ومن المعروف أن"جنين، جنين"ينتقد نهج الاحتلال الإسرائيلي وتتطرق مشاهده الى وصف معارك الشوارع الدامية عام 2002 التي حدثت في ضاحية السوق البلدي والمخيم التاريخي لمدينة جنين في الضفة الغربية. وتطالب الدعوى المخرج بدفع ما يقارب ثلاثة ملايين دولار. لكن الضوء في نهاية النفق قدم من بلد ليوناردو دافينشي، حيث يعمل بكري في الأشهر الأخيرة على تصوير فيلم عن حياة الفنان الفلسطيني رمزي أبو رضوان الذي اعتاد في طفولته أن يلقي الحجارة والزجاجات على دوريات حرس الحدود الإسرائيلية بعد عودته من المدرسة أيام الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987. هذا الفتى كبر وحلم بدراسة الموسيقى في باريس، ثم تسنى له أن يحقق حلمه رغم المعوقات وعاد ليفتتح معهداً يكفل ثقافة موسيقية مجانية للأجيال الفلسطينية في المدن والقرى المحتلة. في هذا الفيلم الذي لم ينته تصويره بعد يشارك ممثلون فلسطينيون وايطاليون. احتجاج من إيطاليا من ناحية أخرى، وقّع أكثر من خمسين مخرجاً وعاملاً في حقل صناعة السينما في ايطاليا قبل أسابيع عريضة احتجاج تدين الدعوى القضائية ضد محمد بكري التي"تقيد حرية الفلسطينيين في التعبير عن آرائهم وآمالهم"الأمر الذي"يتنافى مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان". من بين المبادرين لحملة الدفاع عن محمد بكري المخرجة نيكول فيروجيني، كما حملت القائمة أسماء كبيرة في السينما الايطالية مثل ماريو مونتشلي صاحب الفيلم الشهير"الحرب الكبيرة"وماركو جوردينا صاحب فيلم"سحر الشباب"وسابيريو كوستانزو وسواهم. الى هذا تم عرض"جنين، جنين"في صالات المدن الكبرى في أنحاء ايطاليا تضامنا مع قضية محمد بكري وفيلمه. وتوجه الدعوى المقدمة ضد محمد بكري في المحكمة المركزية في تل أبيب - يافا اتهامات بالقذف والتشهير ووصم عناصر الجيش الإسرائيلي بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية. ومقدمو الدعوى هم جنود إسرائيليون شاركوا في تلك المعركة. وكانت الرقابة الإسرائيلية منعت عرض الفيلم منذ الأيام الأولى بعد الانتهاء من تصويره على رغم مطالبة الصحافة بضرورة مشاهدة الفيلم، لكن بيانات الاحتجاج من قبل هيئة التعليم العالي والهيئات الحقوقية لفلسطينيي الداخل والمجلس الأعلى لصناعة السينما جعلت القضاء الإسرائيلي يتراجع عن قراره ويسمح بعرض الفيلم في سينما - تيك القدس وتل أبيب، لكن الردود ضد الفيلم لا تزال قائمة حتى اليوم، وكانت صالات العرض شهدت لمناسبة عرض الفيلم اشتباكات بالأيدي وملاسنات بين الشباب الفلسطيني والشباب اليهودي وهذا ليس جديداً على المشهد العام لهذه البلاد.