دعت الحكومة الإماراتية القطاع الخاص من تجار وموردين وجمعيات استهلاكية، إلى شراكة حقيقية وعاجلة لمواجهة الغلاء في أسعار السلع والخدمات، خصوصاً المواد الغذائية الضرورية. وتتصدر قضية غلاء الأسعار أولويات الحكومة، في ظل موجة غلاء لا سابق لها، ترتبط إلى حد كبير بالمتوسطات المرتفعة للتضخم وارتفاع الإيجارات وأسعار بعض السلع الإستراتيجية، مثل المحروقات التي تعد الأعلى في منطقة الخليج، فضلاً عن تدهور سعر الدولار وارتفاع سعر اليورو، إذ أن النصيب الأكبر من واردات المنطقة يأتي من أوروبا. ولم تفلح الجهود الحكومية إلى الآن في لجم الزيادات المتتالية على أسعار السلع، التي تضاعفت أسعار الكثير منها تقريباً خلال الشهور الماضية، بسبب التمسك بآليات السوق وعدم الرغبة في فرض ضوابط ربما تتعارض مع آليات الاقتصاد الحر. وعلى رغم التباين الشديد في التقديرات حول نسب الزيادة في الأسعار، إلا أن وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري اعترف أن أسعار بعض السلع الغذائية الضرورية في الإمارات"تضاعف بنسبة 300 في المئة في السنوات الأخيرة"، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار والمواد الغذائية منها،"ظاهرة عالمية لا تخص الإمارات والمنطقة وحدها". وأكد أن الحكومة"تستهدف الوصول بمعدل التضخم إلى 5 في المئة هذه السنة في مقابل 9 في المئة العام الماضي"، معتبراً ذلك"تحدياً كبيراً تسعى الحكومة الى تحقيقه من خلال مجموعة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية الرامية إلى الحد من الغلاء ومكافحة ارتفاع الأسعار". وبدأت الحكومة هذه الإجراءات بتوقيع اتفاق مع جمعية الاتحاد التعاونية لطرح 16 سلعة غذائية للبيع بأسعار التكلفة اعتباراً من أول من أمس. فاكتواء الجميع بلهيب الأسعار جعل منها القضية الأكثر إلحاحاً وزاد سيل التصريحات الحكومية شبه اليومية عن ضرورة وضع حد للزيادات المتتالية، ومواجهة أية عمليات تلاعب أو استغلال من جانب بعض التجار الراغبين بتحقيق مكاسب سريعة على حساب المستهلكين. وطالب خبراء تحدثت إليهم"الحياة"بضرورة وجود"مؤشر أسعار المستهلك"لضبط هذه الارتفاعات، من خلال تقديم بيانات دورية دقيقة حول نسب الزيادة في الأسعار، وأكدوا أن مثل هذا المؤشر سيساعد الحكومة على لجم التضخم، كما سيساعد هيئات حماية المستهلك في مراقبة الموردين والشركات التجارية. ورفض الوزير الإماراتي"فكرة دعم أسعار المواد الغذائية وطرحها بأسعار تفضيلية"، نافياً ما تناقلته بعض وكالات الأنباء حول إمكان توفير السلع بأسعار خاصة لمواطني الدولة من دون غيرهم. ورأى أن سياسة الدعم"غير قائمة"في الإمارات، كونها"تتعارض مع سياسة الاقتصاد الحر". لكنه أشار إلى أن الحكومة"ستعمل على تنفيذ سياسات بالتعاون مع الجمعيات التعاونية والتجار للحد من ارتفاع الأسعار ومواجهة الغلاء، إذ يشكل اتفاق الوزارة مع جمعية الاتحاد التعاونية، بداية لاتفاقات أخرى حول لوائح تضم سلعاً مختلفة، خصوصاً أن الغلاء لا يقتصر على المواد الغذائية فقط بل يشمل السلع والخدمات. ودعا المنصوري الجمعيات التعاونية غير المتجاوبة مع دعوة الوزارة إلى"مكافحة غلاء الأسعار للدخول في اتفاقات أخرى للحد منه". وحض على شراكة وطنية مع الجمعيات التعاونية لمواجهة غلاء الأسعار". وطالب الإعلام ب"دور إيجابي"في هذه القضية. وأعلن أن باب الاستيراد المباشر للسلع الغذائية والإستراتيجية"مفتوح"، وطلب العمل مع الحكومة على استقرار الأسعار بتنويع قنوات الاستيراد، مشيراً إلى أن استيراد سلع متنوعة من الخارج يساهم في معدلات التضخم، خصوصاً أن بعض أسعار المواد الغذائية ارتفع 300 في المئة في السنوات الخمس الأخيرة. وأوضح أن وزارة الاقتصاد"ستعمل على مكافحة أي احتكار أو استغلال قد يهدد استقرار السوق، بالتعاون مع الجهات الأخرى المعنية". وأشار رئيس جمعية الاتحاد، نائب رئيس الاتحاد التعاوني الاستهلاكي ماجد الشامسي إلى أن الجمعيات التعاونية"لعبت دوراً مهماً في الحد من ارتفاع الأسعار في السنوات الماضية وفي أزمات كثيرة"، لافتاً إلى أن الجمعية"ستتحمل نحو 45 مليون درهم لدعم هذه السلع على مدار هذه السنة"، وستبدأ في تنفيذ برنامج استيراد المواد الغذائية مباشرة ومن دون وسطاء وطرحها بأسعار تقل عن مثيلاتها في السوق، بنسب تتراوح بين 25 و30 في المئة. ودعا الجمعيات التعاونية إلى"المشاركة في مثل هذه المبادرات لكبح الارتفاعات المتواصلة للأسعار وخفض التضخم والحفاظ على توازن السوق وجاذبية اقتصاد الإمارات". واعتبر المدير العام للجمعية خالد حميد بن ذيبان الفلاسي أن"تثبيت أسعار 16 سلعة ينطلق من أهداف الجمعية بالحفاظ على استقرار الأسعار لقطاع التجزئة، خصوصاً السلع الغذائية الأساسية التي تمثل بين 30 و 40 في المئة من مشتريات المستهلكين". وأعلن أن الجمعية تتوقع ارتفاع أسعار السلع التي تتضمنها المبادرة هذه السنة، بنسبة 25 إلى 30 في المئة. وقدر حجم سوق المواد الغذائية في دبي وحدها بنحو 700 مليون دولار، حصة جمعية الاتحاد منها 17 في المئة، مرجحاً أن تتراوح مبيعات المواد الغذائية هذه السنة بين 800 و 900 مليون درهم".