كان عماد مغنية مسؤولاً عن وحدة العمليات الخارجية في "حزب الله" ولم يبادر أحد من مسؤولي "حزب الله" في السنوات الأخيرة الى الإشارة إليه. ومع هذا قتل مغنية. وهذه حقيقة مفجعة تقود الى السؤال عن الذين ضلعوا في اغتياله. وهي حقيقة أصعب وأشد هولاً من الاغتيال نفسه. فالانفجار حصل في شارع تقع فيه مراكز أمنية واستخباراتية سورية، ما ينزل هذا البلد على رأس الدول المتهمة وفي صدارتها. وتتعرض الحكومة السورية لضغط دولي خانق عشية انعقاد المحكمة الدولية التي أنشئت لمحاكمة من اغتالوا رفيق الحريري. والسوريون متورطون في انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية. واحتمال مشاركة سورية في اغتيال الرجل الثاني في"حزب الله"، يعرّض النظام لخطر حقيقي وجدي. وهو غير قادر، على المستوى القطري، على مواجهته. فدمشق تواجه الاتهام بأنها تنفذ سيناريوات تكتبها طهران وپ"حزب الله"... وليس معنى التدخل السوري، ضرورة، قيام سورية بوضع المتفجرة التي قتلت عماد مغنية. فكشف هوية مغنية، او إفشاء طرق دخوله وخروجه، ونقلها الى"الموساد"، والأطراف المرتبطة به، لا تختلف كثيراً عن تفجير العبوة فيه. ولا يستبعد أن تكون بعض عناصر الأجهزة الأمنية السورية على علم بهوية مغنية، وضالعة في العمل لمصلحة أجهزة أمنية أخرى. ويقلل من احتمال دور سوري جهل المسؤولين السوريين، في اليوم التالي للانفجار، بهوية الشخص الذي قتل فيه. وبعض مرافقيه لم يكونوا على علم بشخصيته الحقيقية. والحقيقة المفزعة في الاغتيال هي ان من وصل الى مغنية قادر على الوصول الى قائد"حزب الله"، حسن نصرالله، وخالد مشعل، رئيس مكتب"حماس"السياسي، المقيم بدمشق. والقاذفات الاسرائيلية دمرت مركزاً للأنشطة النووية بسورية، من قبل. ويضاعف الاغتيال الحرج الذي يعانيه النظام السياسي السوري. وهناك احتمال ان يكون السوريون في إطار اتفاق مع الغربيين، قدموا مغنية قرباناً يخفف عنهم العقوبات الدولية، والضغط الناجم عن ملف اغتيال رفيق الحريري. وبذلك تخسر سورية دعم أهم حلفائها، أي إيران وپ"حزب الله". وإذا كانت إسرائيل مسؤولة عن اغتيال مغنية، جاز القول ان"الموساد"كسر نظام"حزب الله"الأمني والاستخباراتي، وبات داخل حديقته السرية. فپ"حزب الله" ينفق نحو 20 مليون دولار شهرياً على جهاز حمايته الاستخباراتي، واستقصاء المعلومات، أخفق في تحصين نفسه. وبعض المصادر يحسب أن اختراق الأجهزة الاستخباراتية والامنية السورية حصل قبل سنوات. ومن هذا الطريق، اخترقت أجهزة"حزب الله"الأمنية، على رغم ان طريقة وضع المتفجرة، والمواد المستخدمة، لا تترك مجالاً للشك في أن"الموساد"هو من ضغط على زر التفجير، وهذا ما يكرره"حزب الله"، فلو كانت إسرائيل هي المسؤولة عن الاغتيال، لما ترددت في تبني العملية.... على رغم ان مغنية يعتبر المسؤول عن الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في حرب ال33 يوماً في لبنان. وواجه جهاز استخبارات"حزب الله"، جراء الاغتيال، أزمة حادة يحتمل ألا يعوضها. فقد جرى التكتم على هوية قائد وحدة العمليات الخارجية طوال ثلاثين عاماً للحؤول دون وقوع الحادثة التي وقعت. والحق أن"حزب الله"لن يستطيع التخلص من العواقب السياسية للاغتيال. فالاغتيال يعني قطع العلاقات التي نسجها طوال ثلاثة عقود. ويصبح القول إن نشاط"حزب الله"العسكري والأمني في الخارج بلغ نهاية مطافه، وأن الحزب مضطر منذ اليوم، الى الاقتصار على الحرب العلنية، جراء خسارته مفاتيح التخطيط والإدارة والخارجية. وقد يكون في هذا الأمر مصلحة لپ"حزب الله"، ويسهم في تعزيز قوة"حزب الله"السياسية. ويصبح نزع سلاح"حزب الله"، وهو إحدى معضلات الأزمة اللبنانية، ممكناً. ويبدل"حزب الله"جلده بحزب آخر. وعقدة اغتيال رفيق الحريري، وعدد آخر من السياسيين اللبنانيين، لم تحل. واغتيال مغنية، أرفع مسؤول استخباراتي وأمني في العالم العربي، يزيد عقد أزمات الشرق الأوسط المستعصية عقدة. ولن تستثني آثار الازمة سورية ولبنان وپ"حزب الله"جميعاً. وقد يكون من الممكن تقسيم التاريخ السياسي للتوأمين سورية ولبنان، وعلاقتهما باسرائيل مرحلتين: ما قبل اغتيال مغنية وما بعد اغتيال مغنية. وفي ظل الظروف الجديدة التي يخطط لها الأميركيون واللاعبون الآخرون، على الساحة السياسية العراقية، لمستقبل العراق، والتفاوض على مستقبل العلاقات الجديدة، لا يصح التغاضي عن منافع يجنيها بعض الشركاء، والأطراف الأبعد، من اغتيال مغنية. والمقصود بالشركاء الطرف الذي استطاع، مع دفن مغنية، التخلص من المعلومات والأرقام الخطيرة المتعلقة بسنوات طويلة من النشاط في الخارج، ويمحوها الى الأبد. عن فرزانه روستائي مسؤولة القسم الدولي في الصحيفة، "اعتماد" الإيرانية، 25/2/2008