لا ريب في ان وضع قطاع صناعة النسيج، وهي عمود الاقتصاد السلفادوري الفقري، المتردي في السلفادور هو مرآة حال اقتصادات دول أميركا اللاتنية. فهذا القطاع يواجه منافسة صينية شرسة. وأغلب الظن أنه لن يصمد في وجه ضربات المنافسة الصينية. فيخسر السلفادور عائدات هذا القطاع، ويضطر الى الاكتفاء بعائدات القطاع الزراعي الضئيلة، وبالأموال التي يرسلها المغتربون الى أهلهم. ويتساءل عدد كبير من رجال الاعمال والسياسيين والأكاديميين الاميركيين اللاتينيين عما يترتب على الهيمنة الآسيوية الصينيةوالهندية على أسواق أميركا اللاتينية. ويبدي هؤلاء الإعجاب بقدرة الشركات الصينيةوالهندية على كسب أرباح كبيرة، ومنافسة شركات شمال أميركا وأوروبا. وإلى وقت قريب، جمع الفقر والشكوى من الهيمنة الغربية بين هذين البلدين ودول أميركا اللاتينية. ويرى اللاتينيون الاميركيون أن الهندوالصين تحذوان حذو الغرب. فالسلع الصينية المتدنية الكلفة تغرق اسواق أميركا اللاتينية. ولا قدرة لمصانع أميركا اللاتينية على منافستها. ويخشى هؤلاء أن تعيد هيمنة الصين على أسواق بلدانها، وإقبالها المتزايد على شراء مواد أولية غذائية ومعدنية ونفطية، أميركا اللاتينية الى دورها التقليدي في عهد الاستعمار الغربي، أي الى مصدر مواد اولية يستخدم في تطوير جزء آخر من العالم. ويشعر العاملون في القطاع الصناعي الاميركي اللاتيني انهم عالقون بين مطرقة تفوق شمال أميركا واليابان التكنولوجي وبين سندان اليد العاملة المتدنية الكلفة بآسيا. وبعث قلق المراقبين الأميركيين اللاتينيين على مصير اقتصاد بلادهم مناقشات سادت في الخمسينات تناولت دور الصناعة في"تطوير"الأمة ورفع مكانتها. فالثورة الكوبية أطلقت، في ذلك الوقت، مناقشات حول سبل تنمية الاقتصاد في أميركا اللاتينية. وأجمعت المناقشات على وجوب حماية القطاع الاقتصادي ورعاية نموه. فالصناعة هي"قوة"الاقتصاد وحاضنة المواهب والقدرات التكنولوجية. وانتهجت دول أميركا اللاتينية سياسة الاستغناء عن استيراد السلع من الغرب. فتولت إدارة الاقتصاد، وأنتجت عدداً من السلع في مصانعها مثل الصابون والدفاتر المدرسية والمواد البنائية وقطع الأثاث والأقمشة. وبحسب لجنة أميركا اللاتينية والكاريبي الاقتصادي، بلغ معدل نمو الانتاج المحلي في المنطقة 5،6 في المئة بين 1945 و1980. ونمت معدلات التصدير 2.1 في المئة. ولكن الازمة الاقتصادية بأميركا اللاتينية في الثمانينات كانت الأسوأ منذ أزمة الثلاثينات. فمعدل النمو لم يتخط 1 في المئة طوال عقد الثمانينات. ولم تنجح الحكومات الأميركية اللاتينية في معالجة الأزمة، وأسهمت سياساتها في تعاظم التضخم المالي. وقوضت الازمة أركان النموذج الاقتصادي الصناعي الموروث من الخمسينات. فاستبدلته عدد من الحكومات اللاتينية بنظام اقتصادي ليبرالي رفع القيود عن التجارة، وأزال الحواجز بين أسواق أميركا اللاتينية والأسواق الدولية، وشجع الاستثمارات الاجنبية، وهي رافعة النمو في مثل هذا النظام. وبدا أن ثمار هذا النظام الجديد انعقدت، وبلغ معدل نمو الناتج المحلي 3.3 في المئة سنوياً بين 1990 و2000. ولكن نمو الاقتصاد توقف بين 2001 و2003. وكثرت محاولات تعليل الانكماش الاقتصادي. وقبل صياغة المراقبين تفسيراً معقولاً انبعث النمو الاقتصادي وتجدد. وعزي هذا النمو الى ارتفاع معدلات صادرات دول أميركا اللاتينية 18 في المئة. والحق ان الارتفاع في معدلات الصادرات مرتبط بالپ"طفرة"الاقتصادية في الصينوالهند. ففي 2004، أدى تعاظم طلب الصين على المعادن وحبوب الصويا والمواد الأولية الى ارتفاع أسعار هذه السلع في السوق العالمية. وفي 2005، حل الاقتصاد الصيني في المرتبة الرابعة عالمياً، وتقدم الاقتصادين الفرنسي والبريطاني. وعاد ارتفاع أسعار المواد الأولية والغذائية والمعدنية بعائدات على بعض دول أميركا اللاتينية، وخصوصاً دول جنوب أميركا. فهذه الدول تملك مقومات جني ثمار تعاظم الطلب على المواد الأولية. ففي فنزويلا والاكوادور آبار نفط. وفي البيرو مناجم فضة وزنك. وفي تشيلي مناجم نحاس ومعامل مواد بناء. وفي الارجنتين والبرازيل حقول صويا. ولكن المكسيك، وعدداً كبيراً من دول وسط أميركا اللاتينية، بقيت خارج السباق التجاري. فثمة أطراف خسرت في السباق التجاري مع الصين، وأخرى فازت. ولا شك في أن قطاع الصناعة، وهو"محرك"الاقتصاد ومصدر قوته، تضرر. فالصين تتهدد القطاع الصناعي والانتاجي بأميركا اللاتينية بالانهيار والتردي. وتضاعفت معدلات الصادرات الصينية الى القارة اللاتينية عشرين مرة منذ 1980. وثمة سؤال يؤرق الأميركيين اللاتينيين. فلماذا تبلغ معدلات نمو الصينوالهند 3 أضعاف نظيرها في بلدانهم، ولماذا تعجز دولهم عن منافسة هذين الاقتصادين؟ فمنطقة أميركا اللاتينية أكثر تطوراً وثراء من الصينوالهند، وهي تملك مصادر مواد أولية كبيرة، ويبلغ عدد سكانها خمس سكان آسيا. وعلى رغم معدلات النمو الصينية الكبيرة، لا يزيد دخل الفرد الصيني السنوي عن دخل الفرد في أفقر بلدان أميركا اللاتينية، أي في بوليفيا. والحق أن الأميركيين اللاتينيين لا يطعنون في خطاب زعمائهم السياسي أو في مناقشات النخبة الاقتصادية، ويغفلون أن الخطاب الشعبوي الذي يستعيد أصداء مناقشات الخمسينات مسؤول عن عجزهم عن اللحاق بركب الصينوالهند. عن فوريست د. كولبرن،"ديسنت"الاميركية، شتاء 2008