انتهجت حكومة اسرائيل في أعقاب سيطرة "حماس" سياسة إضعاف حكومتها واطاحتها، وتعزيز قوة حكومة فياض والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وهي أقرب الى استراتيجية تدفيع"حماس"ثمن هجماتها منها الى استراتيجية عسكرية تفرض وقف اطلاق الصواريخ. ويقابل تصعيد"حماس"تصعيداً إسرائيلياً لحملها على إدراك أن ما يترتب على الهجمات يفوق فائدتها. والنهج الاسرائيلي يرمي الى ارساء توازن ردع يُلزم"حماس"الاستسلام بصمت، لقاء القبول بها طرفاً سياسياً. وهذا ما لا تقبله"حماس". وتجد اسرائيل نفسها أمام خياري السيطرة على مواقع اطلاق الصواريخ، وتفكيك بنية"حماس"التحتية والمنظمات الأخرى والبقاء في غزة وقتاً طويلاً، أو التفاهم مع"حماس"على وقف إطلاق نار ينجم عنه وضع مستقر يكسب منه الطرفان. ولا شك في ان أبرز مشكلات الخيار الأول ما يترتب على اعادة احتلال قطاع غزة. وإذا أردنا ان نمنع وصول الصواريخ الى أهداف اسرائيلية، علينا السيطرة على معظم القطاع. ويقترح بعض الأطراف الإعداد لخروج اسرائيل من غزة بعد احتلالها، وتسليم السلطة في غزة الى طرف دولي أو عربي يبسط الهدوء في القطاع، ويبني المؤسسات الفلسطينية، ويعد العدة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ويغفل هذا الاقتراح أن السلاح متوافر في غزة، وأن مقاتلي منظمات مختلفة يرغبون في مواصلة القتال المسلح ضد الاحتلال. ويشبه، تالياً، الوضع في غزة نظيره في العراق، إثر عملية احتلال القوات الأميركية السريعة. ويترتب على هذا الاحتلال دوام النزاع والقتال سنوات طويلة قبل بلوغ الاستقرار. وتسليم غزة الى طرف دولي شبه متعذر. ويفترض الاحتمال الثاني مصلحة اساسية متبادلة بين الطرفين في استقرار الوضع. وهذا الاحتمال يناسب اسرائيل، في غياب حل عسكري يضمن وقف الصواريخ. فالوضع الحالي يبعث الاضطراب في حياة قسم من الإسرائيليين، ويعرقل التزام الاتفاق السياسي مع السلطة الفلسطينية بالضفة. ويصب الاحتمال هذا في مصلحة"حماس". فالوضع الحالي يحول دون إرساء سلطتها في غزة . ولكن الطرفين يتخوفان من وقف النار. وتنظر اسرائيل بعين القلق الى احتمال استغلال"حماس"وقف النار لترميم قوتها، وتعزيز ترسانتها العسكرية. وتخشى اسرائيل ان يتعارض وقف اطلاق النار، وهو يفترض الاعتراف بشرعية"حماس"، مع سياستها الاساسية تجاه الحركة. ومثل هذا الاعتراف يقوض نفوذ محمود عباس و"فتح"، ويعبد الطريق أمام سيطرة"حماس"على الضفة الغربية. وتخشى"حماس"ان تُكبل يداها بينما يستمر الحصار على غزة، ولا ترفع العقوبات عنها. وجليّ أن ثمة فرصة امام اسرائيل و"حماس"للتوصل الى تفاهم على وقف اطلاق النار، من طريق وساطة طرف ثالث. وعلينا أخذ هذه الفرصة في الاعتبار. ويجب ان يصاحب قرار وقف النار بحث اسرائيلي جديّ في سبل إفضاء وقف النار مع"حماس"الى حوار يغير موقفها، ويحملها على القبول بالإجماع الفلسطيني على حل دولتين لشعبين. عن شلومو بروم ، "ميكود استراتيجي" العدد العاشر، 9/3/ 2008