سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الفصل بين الجنسين قد يعمق العزلة ... مسابح ومواقف سيارات منفصلة منعاً للتحرش . الشباب يسخرون من "قلة ذكاء" الفتيات ودعوات سويسرية إلى إبعاد النار عن البنزين
لا تستطيع مارسيل إخفاء توترها وهي تنظر إلى جدول ساعات الدراسة، فترى اقتراب حصص المواد العلمية، من فيزياء وكيمياء ورياضيات. فبمجرد دخول الأستاذ إلى قاعة الدرس تلتزم الصمت وتدون ما تسمعه مع بعض الملاحظات والعديد من علامات الاستفهام. تبرر مارسيل موقفها هذا قائلة:"لا يمكن نسيان كيف تهكم الشباب علي في الصف عندما بادرت مدرس الفيزياء بسؤال اعترف الجميع أنه بديهي، ولكن لأنه مطروح من فتاة انطلقت التعليقات خافتة تهزأ مني". "ماري كوري الجديدة"أو"سؤال تجيب عليه القطط"وپ"هذا ذكاء الشقراوات"أو"قللي من وقتك أمام المرآة تفهمين أسرع"،"بعد السؤال القادم سيتلاشى أحمر الشفاه"هي بعض التعليقات المنتشرة بين الشباب يطلقونها على زميلاتهن إن فكرت واحدة منهن في طرح سؤال. وتقول مارسيل:"وكأن الشباب يفهمون تلك الفروع في لمح البصر، وهم يحتكرون الأسئلة ويعتبرونها منطقية، لأنهم فقط القادرون على فهم المواد العلمية". تلك مشكلة عامة منتشرة في غالبية الثانويات السويسرية، حيث بدأت تعلو الأصوات مطالبة باحترام الفتيات عند طرحن الأسئلة، سيما في المواد العلمية، ويحاول الأستاذة التدخل من حين الى آخر لدفع الشباب الى التخلي عن هذا الأسلوب الذي يصفونه بغير المتحضر. وتعالج بعض الفتيات المشكلة بأساليب مختلفة، تقول باتريسيا:"نجلس في مجموعات صغيرة ونحاول وضع الأسئلة التي نتفق عليها، ثم نتوجه بها إلى الأستاذ في فترة الاستراحة أو في مواعيد نتفق عليها معه بعد انتهاء الدراسة. يقول أحد أستاذة الرياضيات:"إن المشكلة أعمق من هذا، ففي مراحل المراهقة تتوجه اهتمامات الشباب إلى لفت أنظار الجنس الآخر. الفتيات بالملابس لعدم وجود زي مدرسي موحد، والشباب بإبراز بعض علامات القوة مثل التفوق الدراسي أو إدعاء الذكاء الخارق. وبعضهم يحاول ذلك من خلال المشاركة في النشاطات الرياضية أو الموسيقية والتميز فيها". والغريب، بحسب رأي الفتيات اللائي التقتهن"الحياة"، أن ساعات المواد الأدبية تخلو من تلك التعليقات، في حين أن مادة مثل الفلسفة أو المنطق أو الأدب فيها أيضاً العديد من النقاط التي يطلب التلاميذ توضيحات حولها، فلماذا لا تنتشر تلك التعليقات. إحدى خبيرات التربية ترى أن السبب في ذلك ربما يعود الى كون الرجال يشكلون النسبة الكبيرة من مدرسي المواد العلمية، ولا تظهر تلك التعليقات عندما تقوم امرأة بتدريس المادة العلمية،"هنا يختلف الأمر بل ربما يخجل الشباب من طرح الأسئلة، خشية أن ترى فيهم المعلمة نقصاً في الذكاء"، بحسب رأيها. وكانت فكرة الفصل بين الفتيات والشباب طرحت نفسها أكثر من مرة في كبريات المدن السويسرية، إذ تقل هذه الظاهرة في المدن الصغيرة والقرى، حيث الجميع يعرفون بعضهم بعضاً، وتبقى هناك بعض من الأواصر التي تجبرهم على الاحترام المتبادل، فتكون الحال أهدأ. أما في المدن الكبرى، فتترافق مشكلة الفتيات مع مشكلة الملابس، لا سيما في الصيف، والعلاقات الغرامية التي تنشأ بين المراهقين، وتحدث بسببها العديد من المشكلات داخل المدرسة، حتى أن بعض المدرسين يعانون من هذا الوضع. ويقول أحدهم:"أحياناً أشعر بأنني مصلح اجتماعي أو أحد الوعاظ أو المرشدين الأخلاقيين، واضطر الى التعامل مع المراهقين كما لو كانوا أطفالاً، وهذا خطأ ولكن ما يهمني هو عودة الهدوء إلى الفصل في أسرع وقت ممكن حتى أتمكن من الشرح، ومن لا يفهم تبقى مشكلته". وتتذكر نادين:"سمعنا ذات يوم هلعاً وصراخاً وضجيجاً قرب انتهاء استراحة الظهيرة، ثم صم صوت سيارة الإسعاف آذاننا. كانت إحدى الفتيات في حال انهيار، فاقدة الوعي بين زملائها ودرات الأسئلة بين الطلاب لمحاولة معرفة ما حدث". انتهت الدراسة ووقف الجميع في حلقات أمام المدرسة لتطلق كل مجموعة روايتها. اللافت أن الروايات كلها دارت حول اكتشاف الفتاة خيانة زميلها مع صديقتها، وهي التي كانت تعتقد أنه معجب بها. خرج الشاب من المسألة كپ"دون جوان"المدرسة، والفتاة بقيت تحت العلاج النفسي لفترة غير قصيرة. أما الصديقة فأصبحت منبوذة من الجميع. زمن الجنتلمان والأنوثة البريئة يرى مؤيدو الفصل بين الفتيات والشباب ان مثل هذه القصص هي دليل قوي على ضرورة إبعاد النار عن البنزين، ووضع كل مجموعة في مدرسة منفصلة فتعرف المدارس الهدوء. وتقول مديرة مدرسة سابقة:"في السابق لم نكن نسمع عن تلك المشكلات، كان الهدوء يسود المدارس، عندما كان الفتيات والشباب بعيدين عن بعضهم بعضاً، بل على العكس، كانوا يتبادلون المحبة والاحترام". وتتابع"كانت هناك نشاطات مدرسية مشتركة بين الجميع ولكن الاحترام كان السائد، الشباب يسعون للظهور في شكل"جنتلمان مهذب"والفتيات يحاولن إظهار"الأنوثة البريئة"ولم نكن نسمع عن تلك المشكلات التي نعاني منها اليوم". العودة إلى هذا النظام في حكم المستحيل، على رغم إدراك كثيرين أنها حل يريح جميع الأطراف. لكن هناك الخوف من الاتهام بالتخلف والرجعية. وتحاول بعض الأصوات التوصية بالتعامل مع الموقف على رغم ما فيه من مشكلات باستخدام شعارات مثل"سعة الصدر والأفق الرحب، والحوار البناء"وكلها تصلح مسكنات موقتة فقط لتعود الحال إلى ما كانت عليه. مسابح ومرأب للسيدات في المقابل نجحت السيدات في فرض الفصل بينهن وبين الرجال في العديد من المجالات، فهناك في المدن السويسرية الكبرى مواقف سيارات خاصة بالسيدات، بعد أن ارتفعت نسبة الهجوم عليهن إما بهدف السرقة أو التحرش والاغتصاب. وتتذكر ماتيلدا كيف كانت تشعر بالخوف كلما ذهبت إلى مرأب السيارات المختلط، وتشرح:"لا أعرف من يسير خلفي أو يظهر فجأة من وراء أحد الأعمدة، ولا أستطيع أن اتهم الجميع بأنهم أصحاب نيات سيئة، ولكنني أتنفس الصعداء عندما أضع قدمي في سيارتي واقفل الباب من الداخل، حتى أخرج من المرأب". القاعات الرياضية والمسابح المخصصة للنساء تشهد أيضاً زيادة ملحوظة في سويسرا، وهي الظاهرة التي تجاوزت المدن الكبرى لتنتشر في مناطق مختلفة. وتقول إحدى مؤيدات هذه الفكرة:"لا أنكر أن الربح الاقتصادي هو الذي دفع إلى ظهور مثل تلك القاعات النسائية، بعد أن اقتنع أصحابها بأنهم سيربحون زائرات أكثر إذا تم تخصيص بضع ساعات أو أيام في الأسبوع للنساء فقط، وهو ما كان بالفعل". زائرات هذه القاعات لسن من المسلمات فقط، بل معهن من يرون أنهن يعانين من حضور الرجال، وتقول إحداهن"أشعر وكأنني ذاهبة إلى فحص شامل، فلا أستطيع أن أتحرك بحرية كاملة في المسبح أو قاعة الرياضة، أدرك أن نظرات الرجال تلاحقني، ليس لأني جذابة، ولكن لأن لديهم حب استطلاع". وتؤكد محدثتنا أن الإقبال على تلك القاعات النسائية دليل على أن شريحة غير قليلة تبحث عن الراحة بعيداً من الرجال في المناطق العامة، وتقول:"انظر إلى إحصاءات عدد حالات التحرش الجنسي التي تحدث أثناء العمل فهي ترتفع من عام إلى آخر في شكل مخيف، في مجتمعات غربية من المعروف عنها أنها متحررة، تجب مناقشة المسألة بواقعية وبعيداً من الغرور والخوف من الاتهام بالتخلف والرجعية".