منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدارس الليلية..
البداية كانت بافتتاح قسم بالمعهد العلمي السعودي لتعليم الموظفين قبل قرن من الزمان
نشر في الرياض يوم 08 - 02 - 2014

كانت الأمية تضرب أطنابها بين الناس قبل توحيد المملكة، خاصةً بين كبار السن، وكانت هناك محاولات فردية من عدد من الناس الذين نذروا أنفسهم ابتغاء وجه الله في سبيل نشر العلم والمعرفة بين الناس، فعمدوا إلى الجلوس للتدريس على شكل حلقات في المساجد أو في بيوتهم، وكانت تسمى ب"الكتاتيب"، التي انتشرت في كل مدينة وقرية، وتعتمد على الاجتهاد فيما يتم تعليمه، حيث كان التعليم ينحصر في تعليم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ عدد من سور القرآن الكريم، إضافةً إلى تعليم مبادئ الحساب، ويتلقى من يعمل بمهمة التدريس في تلك الحلقات أجره من أهل الطلاب الصغار في نهاية كل شهر، كلٌ بما تيسّر من طعام أو نقود.
ومع توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، بدأ افتتاح المدارس في المدن والقرى، وبات الناس يعرفون التعليم النظامي للبنين في المدارس الحكومية بدلاً من "الكتاتيب"، فانتشرت مدارس التعليم العام في شتى أنحاء البلاد، وبدأ الناس يبعثون أبناءهم إلى المدارس لتعليمهم بدون مقابل، وانخرط من لم يسعفه الحظ في الدخول إلى المدارس عندما كانوا صغاراً في شتى الأعمال لكسب لقمة العيش إمّا بالحرف اليدوية كالنجارة والزراعة وغيرها، أو بالكد لكسب قوت يومه بالعمل في الأسواق كأجير يومي للتحميل وغيره، وقليل منهم أسعفه الحظ وابتسم له فزاول التجارة بمعناها البسيط فمضوا يعملون وهم يحلمون ببصيص أمل ينتشلهم من ظلمة الجهل والأمية.
المدارس الليلية أنقذت جيلاً من الأمية
وتحقق الأمل بافتتاح المدارس الليلية لإتاحة الفرصة لمن لم يتسنّ له التعليم الالتحاق بها، ليعوضوا ما فاتهم، وليلحقوا بركب المتعلمين، وكانت البداية بافتتاح مديرية المعارف العمومية عام 1335ه قسم ليلي بالمعهد العلمي السعودي لتعليم الموظفين الذين لديهم الرغبة ولا تساعدهم ظروفهم، وهي أول الجهود للتعليم الليلي، ويمكن اعتبارها أول الجهود لتعليم الكبار ومحو الأمية، واستمر الحال إلى أن جاء عام 1375ه الذي شهد افتتاح مدارس ليلية ابتدائية بلغ عددها (13) مدرسة، ثم بدأ التوسع في ذلك، ولحقت النساء بركب المتعلمات في مدارس محو الأمية، حيث افتتحت رئاسة تعليم البنات عام 92/1393ه خمس مدارس لمحو أمية الكبيرات من النساء واستمر التوسع إلى اليوم.
قل (أبجد) قلت: قلبي توجّد، قَلّي: ت(هوّز) قلت: ودّي أتجوّز!
سبورة جدارية
وفي بداية افتتاح مدارس تعليم الكبار -الليلية- سعى مديروها إلى استقطاب الأميين ممن فاتهم قطار التعليم خاصةً الشباب، ورغبوهم في الدراسة، وبيّنوا لهم ما ينتظرهم من مستقبل بعدها والحصول على الشهادة، وبالفعل التحق هؤلاء الأميون بالمدارس وتلاهم كبار السن، وكانت المدارس الليلية تقع في المباني التي يدرس بها الصغار في الصباح ومعظمها مبان طينية مستأجرة والأثاث بدائي كالطاولات والكراسي والسبورة الجدارية التي كانت تبنى في الجدار بالإسمنت وتدهن باللون الأسود، ليكتب عليها ب"الطباشير"، الذي يشرق الحضور عند مسحه من اللوح، كانت الدراسة ليلاً على أضواء السراج أو الأتاريك، فلم يكن هنالك كهرباء ومع ذلك كانت الهمة والإصرار من الجميع طلاباً ومعلمين خير معين على تخطي ظلمة الجهل والأمية، فخرجت تلك المدارس العديد ممن تولى المناصب الإدارية الكبيرة في عدد من المصالح الحكومية وتبوأ مكانة مرموقة في مجتمعه، بل إن العديد منهم واصل تعليمه، إضافةً إلى عمله بالنهار ومن ثم تخرج وتعين مُعلماً، وربما عاد إلى نفس مدرسته التي تخرج منها فعمل فيها.
مبانٍ طينية مستأجرة والسبورة جدارية مدهونة باللون
الأسود والمعلم يشرح على أضواء «السراج» و«الأتاريك»
«النضول» ما ذاكر وأطفأ «الفوانيس» وقرر المدير إعادة الاختبار.. ومسن زامل ابنه في اختبار شهادة الابتدائية
اختبار المُسن
لم يكن كبر السن عائقاً أمام البعض من الناس الذين واجهوا شبح الأمية بالتسلح بطلب العلم، حيث قضوا على مقاعد الدراسة الوقت الطويل من أجل التحصيل المعرفي، بل إن بعض هؤلاء قد درس بعد أن بلغ من العمر عتياً وكبر أولاده وبلغ سن الخامسة والخمسين، ومع ذلك كله لم يثنه ذلك عن طلب العلم.
وتأتي قصة ذلك المسن الذي تجاوز النصف قرن من الزمان والذي حضر اختبار إتمام الشهادة الابتدائية مع ابنه الصغير في قاعة الاختبارات في النهار وسط ذهول الطلاب الصغار، بل وخجل الابن من زملائه؛ لأن أباه يختبر معه جنباً إلى جنب في القاعة والمستوى التعليمي نفسه، رغم أن والده أحد الموظفين في القرية، لكن هذا الطالب المسن كان محل تقدير واحترام كل المعلمين والمراقبين الذين أكبروا في هذا الشخص همته العالية، وبالفعل أتم هذا المسن الاختبار وحصل على شهادة المرحلة الابتدائية، وصار من المبدعين في الكتابة، وخدمته هذه الشهادة في عمله المكتبي ونقلته من شبح الأمية إلى مصاف المتعلمين، هذه القصة "سيناريو" متكرر شهدته العديد من المدارس في معظم بلادنا التي عرف عن أبنائها قصة الكفاح من أجل التسلح بالعلم.
علكة وبسكويت
وكثيراً ما يستعين كبار السن من طلبة المدارس الليلية بأبنائهم لمساعدتهم في حل الواجبات المنزلية كالكتابة وحل المسائل الرياضية وحفظ الكلمات والقصائد، وكثير منهم يطلب ذلك من أبنائه وبناته دون خجل، أمّا البعض الآخر منهم فإنه يغدق على ابنه خاصةً إذا كان صغيراً بالهدايا ك"العلكة" و"البسكويت" من أجل أن يحل له الواجب، وكان هؤلاء الدارسون الكبار متحمسين جداً للدراسة، وتجد بين أفراد الفصل الواحد التنافس من أجل التحصيل والظهور بمظهر المتفوق، ومن أجل هذه الغاية استعان هؤلاء بأبنائهم الصغار لسد عجزهم في الفهم والتحصيل ولكي لا ينعتوا بالكسل وقلة الفهم.
قرأ صورة الثعلب: «حصني» وفهم الأسماء (غداً) على أنها ضاعت!
مشاغبة الشيّاب
قد يعتقد البعض أن طلاب المدارس الليلية الذين جلّهم من كبار السن يتحلون بالهدوء أثناء جلوسهم في الفصل وخلال الحصص الدراسية، على عكس طلبة المدارس النهارية من صغيري السن الذين يسود فصولهم الفوضى نظراً لصغر سنهم وخوفهم من عقاب المعلم، لكن الحقيقة أن هؤلاء الكبار أكثر مشاغبة منهم، حيث إن الطالب في الفترة الصباحية يلتزم الأدب والسكوت خوفاً من عقاب المعلم، بينما الكبار لا يتحلون بالهدوء، بل تجدهم كثيري المقاطعة للمعلم إمّا بكثرة الأسئلة التي غالباً ما تكون خارج إطار الدرس، أو بالتعليق على كل كلمة، فتتواصل التعليقات والردود التي تستهلك وقت الحصة، فلا شيء يردعهم أو يخيفهم من المعلم، بل إن المدرس نفسه يخجل أن يسكت أو يوبخ شخصاً أكبر سناً منه، وقد يتجاوز عمر هذا الطالب سن والده، وقد ينتقل الطالب من مكانه إلى زميله ليتبادل معه الحديث عن شيء يخصهم دون استئذان من المدرس، ودون مراعاة أنه يشرح الدرس، مما يجعل عمل المُعلم مضاعفاً وأشد صعوبة من تدريس تلاميذ الصباح، الأمر الذي يجعل معظم المعلمين يتحاشى التدريس في الليلي للهروب من هذه المعاناة المستمرة كل ليلة.
يا أستاذ علمني أكتب الخط وأقراه
من شان أراسل صاحبي زين الأوصاف
إزعاج المدير
وفي موقف فكاهي، صدر من أحد الفصول بمدرسة إحدى القرى أصوات وإزعاج بعد أن غادر المعلم الحصة بعد سماع "الصفارة" ليحل محله معلم آخر لمادة أخرى، وعلى الفور ذهب المدير إلى الصف فوجد الجميع يغني و"يهبجن" ويضربون بكفوفهم على طاولاتهم في انسجام تام، وكأنهم يؤدون فلكلوراً شعبياً كالعرضة، فحاول إسكاتهم وبعد جهد جهيد استطاع أن يعيد الهدوء إلى الفصل، وبعد التقصي عن سبب تلك الفوضى عرف أن أحد الطلاب ممن يتمتع بحس الفكاهة والدعابة هو الذي كان وراء هذه الفوضى والإزعاج، ومن الغضب أصر على معاقبته أمام الطلاب وذلك بضربه بالعصا، فاعترض على ذلك، لكن المدير أصر وترجى الطالب أن يضربه ضربة واحدة خفيفة براً بقسمه فوافق على مضض، فضربه المدير على يده ضربة قوية تنفيساً لغضبه، فتلفظ الطالب عليه وغضب، ثم خرج من المدرسة، وقد قرر تركها بسبب تلك المعاملة السلبية والنكث بالوعد ولم يعد إليها مطلقاً.
غياب الطلاب
كان من مشاكل المدارس الليلية كثرة غياب الطلاب وعدم انتظامهم في الدراسة، فتصور مثلاً طالب مسن يغيب عن المدرسة لعدة أيام فهل يقول له المدير أحضر ولي أمرك؟، بالطبع لا، فهو ولي أمر نفسه ولا شيء يردعه عن الغياب، لكن مدير المدرسة يحاول ترغيب الطلاب في الدراسة ويفهمهم أن الحضور مهم من أجل الإفادة من الدروس وتحصيل النجاح إلاّ أن الكثير منهم قد يترك المدرسة بالكلية لأي سبب كان ولو كان بسيطاً، فهو يرى أن حضوره ودراسته اختيارية وليست الدراسة بالنسبة إليه مصيرية يتعلق بها مستقبله، فهو لديه عمله بالنهار الذي يقتات منه، ولعل منهم من ترك المدرسة لعذر يراه ومن وجهة نظره سديداً، حيث غادرها بقوله في قصيدة وجهها لمعلمه قال فيها:
المدرسة ضيقت خلقي
ما عاد أنا بدارسٍ فيها
يا أستاذ لا توقف قبالي
كلمتك قبل أمس ناسيها
بينما على النقيض تمسك غيره بالدراسة وهم قلة رغم صعوبتها، وأفصح عن غايته من الدراسة فقال:
يا أستاذ علمني أكتب الخط وأقراه
من شان أراسل صاحبي زين الأوصاف
قَلّي: قل (أبجد) قلت: قلبي توجّد
على وسيع العين أبو حجيِّج رهاف
قَلّي: ت(هوّز) قلت: ودّي أتجوّز
على الذي له بين الأضلاع مصياف
زيارة المفتش
وكدليل على أن الغياب الجماعي من أهم العوائق التي تعترض العمل في المدارس الليلية هو الإحراج الذي يقع فيه مدير المدرسة ومعلموها إذا حضر "المفتش"، وهو من تندبه الوزارة للمدرسة لمتابعتها ولم يجد الطلاب أو كانت نسبة الغياب كبيرة جداً، ففي إحدى القرى كان مدير المدرسة الليلية يستعد للذهاب إلى المدرسة فلمح سيارة "المفتش" تقف تحت ظل شجرة على مشارف القرية قبل غروب الشمس وهو قادم من وزارة المعارف -آنذاك- لزيارة المدرسة، ولما وصل المدير وقبل بدء الدراسة بعد صلاة المغرب تفاجأ أنه لم يحضر للمدرسة إلاّ طالبان فقط، أما البقية فهم كالعادة غائبون، وخوفاً من أن ينكشف الغطاء لاحت له فكرة فذهب إلى مركز الشرطة وقابل مديرها الذي يعرفه معرفة شخصية وطلب منه "الفزعة"، وذلك بأن يستعين بعدد من الأفراد الذين قد انتهى وقت عملهم وهم جلوس يتحدثون حتى يسد النقص الحاصل من غياب الطلاب، وبالفعل فقد طلب مدير الشرطة من هؤلاء الأفراد التعاون والذهاب مع مدير المدرسة ودخول الفصول كطلاب فذهبوا مع المدير وتوزعوا بين الفصول بعد أن طلب منهم الحضور فقط والاستماع للدروس وعدم المناقشة والاكتفاء بهز الرؤوس إذا انتهى الدرس وقال المعلم كلمته الدارجة: "مفهوم الدرس؟"، فلما جاء المفتش وجد الطلاب في الفصول فزارهم وسجل ملاحظاته وانصرف شاكراً، فتنفس المدير الصعداء وقدم شكره لمدير وأفراد الشرطة على هذه الخدمة.
حضور زواج
وبعد عدة أشهر حضر مفتش آخر ولم يكن أمام مدير المدرسة سوى التوجه إلى مدير الشرطة كالعادة للفزعة، فلما دخل المركز لم يجد سوى العاملين والمدير، فسأل مدير الشرطة عن الأفراد فقال إنهم ذهبوا لحضور زواج زميل لهم فرجع المدير إلى المدرسة ولما جاء المفتش لم يجد إلاّ العدد الفعلي للطلاب وهم ثلاثة فقط فقال: أين بقية طلاب المدرسة؟، فأجابه المدير أن أحد زملائهم عريساً الليلة وقد تغيبوا للذهاب معه لحمل "السرج" -الفوانيس- أمامه للذهاب إلى منزل العروس، فقد كانت القرية بلا كهرباء فاستحسن المفتش تلك الفزعة من الطلاب لزميلهم وأشاد بفكرة مشاركتهم وقال بان هذا العمل دارج لديهم في قرى الحجاز -حيث كان المفتش من الحجاز-، وكان المدير على أعصابه خوفاً من قول المفتش اذهب بنا إلى الزواج فيفتضح أمره، لكن المفتش كتب ملاحظات الزيارة وغادر شاكراً، فتنفس المدير الصعداء وقرر أن يترك العمل في المدارس الليلية إلى الأبد بعد انتهاء هذا العام، وبالفعل قدم اعتذاره ولم يعد إلى العمل فيها.
إلغاء الاختبار
"العين" هي نتاج الحسد، وكما يقولون حق، حيث دخل طالب المدرسة الليلية إلى قاعة الاختبار دون أن يستذكر أو يراجع المادة، فلما استلم ورقة الأسئلة لم يعرف أن يجيب عليها لصعوبتها، فقرر أن يعيد الامتحان لنفسه ولجميع الطلاب فحدّق بالنظر إلى "فوانيس" الاضاءة الكهربائية، وما هي إلاّ لحظات حتى انطفأت الكهرباء عن المدرسة كلها، فحاول المدير والمعلمين إصلاح الخلل إلاّ أن محاولاتهم باءت بالفشل، فلم يكن أمامهم سوى جمع أوراق الأسئلة والإجابات للطلاب ومن ثم إعادة اختبار المادة في يوم آخر، وبذلك نجا ذلك الطالب "النضول" من الاخفاق في تلك المادة.
تعليم الكبيرات
وبعد افتتاح مدارس التعليم الليلي للرجال ونجاحها اتجهت الأنظار إلى محو أمية المرأة الكبيرة، ومن أجل ذلك تم افتتاح مدارس لتعليم الكبيرات، وبدأ تشجيع النساء على الالتحاق بها، ورصدت لذلك المكافآت المالية بعد تخرجهن من المرحلة الابتدائية، وقد رحب المجتمع بهذه الفكرة الجميلة، وانخرطت النساء الكبيرات في التعليم، ومن أصداء التفاعل مع هذا التوجه أن بثت الاذاعة والتلفزيون "منلوجاً" شعبياً للفنان "سعد التمامي" في بداية تعميم مدارس محو الأمية والتعليم للكبيرات، كان محل استحسان جميع المستمعين والمشاهدين والذي تقول كلماته:
شفت الخاله واعجبتني في مشيتها
تحمل معها دفاترها وحقيبتها
راحت بالجاره من باكر وادخلتها
شجعتها وعلى الأبله عرفتها
وعلمتها في السبوره وطبشورتها
وهذا الواجب للتلميذه من أبلتها
تلميذه تدرس واجب محو الأمية
عن التسيوره للجاره حذرتها
خلو جارتهم تقعد هي وقهيوتها
أكل الفصفص ما ينفعها مع جارتها
راحت تدرس في واجب محو الأمية
علموها كيف تربي بنيتها
وعلموها كيف تخيط فنيلتها
وعلموها كيف ترتب دفاترها
علموها تقرا وتكتب في كراستها
وعلموها ترتل في مصحفها
يا محلاها في مشيتها وفي حشمتها
تلميذة تدرس واجب محو الأمية
والحكومه للمناهج وزعتها
والمدارس للدراسة هيئتها
والأمية كل العالم حاربتها
كل يسعى في واجب محو الأمية
الأسماء (غدن)!
وحفلت مدارس تعليم الكبار الليلية بالعديد من المواقف الطريفة والمضحكة، منها أن معلماً طلب من طالب أن يشرح كلمة "يتسلق"، في هذه الجملة: "أحمد يتسلق الشجرة"، فقال الطالب: يتسلق أي يأخذ معه "السلق"!، وهي أنثى الكلاب ويذهب بها إلى الصيد ليصيد أرانب في البر.
وآخر كان طالباً كسولاً لا يحسن القراءة وعند الامتحان طلب المعلم من هذا الطالب أن يقرأ الجمل التي تحت الصورة، فصار يقرأ كل كلمة ويتهجاها مثل جمل، ذئب، فيل، فذهل المعلم كيف استطاع أن يقرأ وقد كان كسولاً جداً، لكن عندما جاء دور كلمة "ثعلب" تهجاها قائلاً: "حصني"، وهو اسم عامي، فزالت دهشة المعلم حيث عرف أنه ينطق الكلمة بالنظر إلى الصورة فهو لا يحسن القراءة.
وأخيراً كان طالب ينتظر تخرجه من المرحلة الابتدائية وكانت أسماء الناجحين تذاع في "الراديو"، لذلك كان طوال الصباح ملصقاً أذنه بالمذياع في انتظار أن يرد اسمه مع الناجحين، وبعد أن أذيعت أسماء عدد كبير من الناجحين قال المذيع عبارة: "أما البقية غداً"، فأغلق الراديو ومضى الى السوق فسأله أصدقاؤه: "هل ورد اسمك مع الناجحين؟"، فقال: "لا، المذيع يقول إنه ضاع مع بقية الأسماء، فقد قال: أما البقية غدن"!، وكلمة غدن في العامية أي ضاع، فضحكوا منه وقالوا المذيع يقصد غداً.
بدايات التعليم المجاني في المملكة ساعدت على إقبال الجميع
واجهة مدرسة عنيزة حيث كانت شاهدة على جيل من العلم والمعرفة في بدايات توحيد المملكة
المقررات الدراسية بين الحساب واللغة
توفير لقمة العيش في النهار والدراسة في الليل
المدارس القديمة لا تتجاوز غرفتين إلى ثلاث والكتابة على الجدران


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.