صدرت عن دار الكتاب العربي في بيروت رواية ستيف بيري "لغز الإسكندرية" بترجمة حسان بستاني. الرواية تعتمد السرد والتشويق، ومما جاء في تقديمها السردي: فلسطين - نيسان/ إبريل 1948 - نفد صبر جورج حداد وهو يرمق الرجل المقيَّد الى الكرسي بنظرات غاضبة. وعلى غراره، كان السجين يملك ملامح رجل سوري أو لبناني ببشرته السمراء، وأنفه الأعقف، وعينيه البنيتين الغائرتين. ولكن هناك أمراً ما في شأن هذا الرجل لم يعجب حداد بكل بساطة. "سأطرح السؤال مرة أخرى واحدة فقط. من أنت؟". كان جنود حداد قد ألقوا القبض على الغريب قبل ثلاث ساعات من بزوغ الفجر بينما كان يسير بمفرده وهو أعزل. "هل سمعتني أيها المعتوه؟ سألتك من تكون". وكان حداد يتكلم بالعربية، ومن الواضح أن الرجل قد فهم عليه بوضوح. "أنا حارس". لم يعنِ له الجواب شيئاً."ماذا تقصد؟". "نحن حُماة المعرفة". لم يكن حداد في مزاج يسمح له بحل الألغاز. ففي اليوم السابق بالضبط، هاجمت المنظمة اليهودية السرية قرية مجاورة. وسيق أربعون فلسطينياً، رجالاً ونساء، الى مقلع للحجارة وقُتلوا رمياً بالرصاص. وكان من الضروري أن يقاتل حداد العدو، لا أن يستمع بدلاً من ذلك الى هذا الهراء. "كلّنا حُماة للمعرفة"، قال بوضوح."وطريقتي في حماية المعرفة هي من خلال إزالة كل صهيوني يمكنني العثور عليه عن وجه الأرض". "ولهذا السبب أتيت، فالحرب غير ضرورية". كان هذا الرجل مخبولاً."هل أنت أعمى؟ اليهود يتدفقون الى هذا المكان، ويعملون على سحقنا. الحرب هي كل ما تبقى لنا". "إنك تستخف بعزيمة اليهود. لقد تمكنوا من النجاة طوال قرون من الزمن ويستمرون بذلك". "هذه الأرض لنا، وسننتصر". "هناك أمور أكثر قوة من الرصاص يمكنها تحقيق النصر لك". "هذا صحيح، هناك القنابل، ولدينا الكثير منها. سنسحق كل واحد منكم أيها الصهاينة السارقون". "لست صهيونياً". جاء هذا الإعلان بنبرة هادئة، ومن ثمّ صمت الرجل. أدرك حداد أنه بحاجة الى إنهاء هذا الاستجواب، فلا وقت لديه لبلوغ طرق مسدودة في نهاية المطاف. "جئت من المكتبة لأتكلّم الى كمال حداد"، قال الرجل أخيراً. فاستحال غيظ حداد ارتباكاً، وقال:"إنه والدي". "قيل لي إنه كان يُقيم في هذه القرية". "والدي متوَفٍّ". وللمرة الأولى، لمح قلقاً في عينَيّ السجين الخالية من أي تعبير، فقال هذا الأخير:"لم أكن أعلم ذلك". استرجع حداد ذكرى والده، وكان يرغب في نسيانها الى الأبد."منذ أسبوعين، وضع فوّهة البندقية في فمه وفجّر مؤخرة رأسه. وترك ملاحظة تقول إنه لا يُطيق مشاهدة وطنه يحلّ به الدمار. واعتبر نفسه مسؤولاً عن عدم وضع حدٍّ لتدفق الصهاينة". ثم حمل حداد المسدس ووضع فوّهته بالقرب من وجه"الحارس"."ما حاجتك الى والدي؟". "إنه الشخص الذي يجب أن أنقل معلوماتي إليه. إنه المدعوّ". فاستشاط حداد غضباً."عم تتكلّم؟". "كان والدك رجلاً أهلاً للاحترام. وكان مثقفاً ومؤهلاً للإسهام في معرفتنا. لهذا السبب أتيت، لكي أدعوه للمشاركة". وكان صوت الرجل الهادئ قد وقع على مسامع حداد مثل الماء الذي يُسكَب على اللهب."المشاركة في ماذا؟". فهزّ"الحارس"رأسه."هذا أمرٌ يخصه فقط". "إنه ميت". "مما يعني أنه سيتم اختيار مدعوٍّ آخر". وضع حداد فوّهة المسدس بين عينَي الرجل."لقد جعلتُ نفسي للتوّ المدعو. هاتِ ما عندك من معلومات". وبدت عينا الرجل كأنهما تخترقانه، واعتراه لبرهة من الزمن شعور غريب بالاضطراب. ومن الواضح أن هذا الرسول كان قد واجه مآزق في السابق، فأُعجب حداد بشجاعته. "إنك تخوض حرباً غير ضرورية ضد عدوّ مضلَّل"، قال الرجل. "ما الذي تتحدث عنه بحق الله؟". "تلك المعلومات تخصّ المدعو التالي". كان الوقت يناهز منتصف فترة الصباح، وكان حداد بحاجة الى النوم. وعاد الى التحديق بتعبير قاس لا يلين في عينَين لم تكفّا عن النظر في عينَيه، وعلِم أن سجينه مستعدّ للموت. ولكن قلبه كان متحجِّراً. إن الحرب هي الحرب. ولذا، فقد ضغط على الزناد.