شغلت القائمة الصغيرة لجائزة بوكر العربية اهتمام المشاركين في ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي، بالتساؤلات حيناً والانتقاد حيناً آخر والاستغراب والتشكيك أحياناً، إذ تخطى الكلام هذه المرة ثنائية المركز والأطراف، والشعور بممارسة الفوقية من لجنة التحكيم على روائيي بلدان بعينها، وتفرد دور النشر بترشيح الأعمال لنيل الجائزة، الى الجانب الأجنبي في أمانة لجنة الجائزة، وفي لجنة التحكيم لأنه يضم أسماء غير معروفة كما لا تملك الخبرة الكافية ولا الدراية العميقة بالمشهد الروائي العربي، على العكس من الجانب العربي. على أن ما أثار النقاش أكثر، اسناد رئاسة لجنة التحكيم الى كاتب اتهمه البعض بالمزاجية فضلاً عن رصيده الذي لم يتجاوز رواية واحدة. وعبر البعض عن مخاوف من أن تكون جائزة البوكر مجرد واجهة براقة، خصوصاً الناقد المصري المقيم في بريطانيا صبري حافظ، الذي امتدح الجانب العربي، وشكك في مقدرة المشاركين الأجانب على تقديم جهد خلاق، يصب في مصلحة الثقافة العربية. النقاش الواسع المتعدد الزوايا في ملتقى القاهرة، شكّل من ناحية أخرى، ما يشبه الضغوط على أبرز عضوين في لجنة التحكيم كانا ضمن المشاركين في الملتقى، محمد برادة وفيصل دراج اللذين أصغيا إلى تساؤلات الروائيين ومخاوفهم، بل إن حضور برادة ودراج، شجع البعض للحديث بصراحة وجرأة حول الجائزة وأخذ النقاش إلى مستويات بعيدة، وتردد في اليوم الأخير للملتقى أنهما، دراج وبرادة، يستعدان لإصدار ما يشبه البيان بعد إعلان الفائز الأول بالجائزة في العاشر من شهر آذار مارس المقبل. واعتبر عدد من الروائيين أن التفكير في إصدار بيان، فكرة صائبة، ستجنب برادة ودراج الحرج وتحمل مسؤولية ما حدث، فهما حازا ثقة المشهد الروائي العربي واهتمامه ومتابعته لهما، بصفتهما من أبرز نقاد الرواية العربية. ودار النقاش بين روائيين من لبنان وسورية ومصر، بلدان الروائيين الفائزين بالجائزة، إضافة إلى الأردن، فالكتاب اللبنانيون فوجئوا بالنتيجة، كأنما أخذوا على غرة، عندما حازت الجائزة أسماء غير مطروحة جدياً في المشهد الروائي اللبناني، كما لا تكشف الروايتان المرشحتان، بحسب هؤلاء، عن جماليات تستحقان معها أن تكونا ضمن القائمة الصغيرة، ورأى السوريون الحاضرون أن رواية"مديح الكراهية"لخالد خليفة"لا تخلو من الثرثرة التلفزيونية"، في إشارة إلى أن خليفة هو"سيناريست". واتفق المصريون على استحقاق بهاء طاهر الفوز وتوقعوا له الحصول على المركز الأول، لكنهم تحفظوا عن فوز مكاوي سعيد، واعتبروا روايته"متواضعة قياساً بروايات مصرية أخرى رشحت ولم تفز". وتردد في أروقة الملتقى أن ناشرين بارزين من لبنان ومصر مارسا ضغوطاً على لجنة التحكيم، من أجل ترشيح الروايات التي تقدما بها لنيل الجائزة، لما يحظيان به من نفوذ واسع في عالم النشر العربي. من جهة أخرى، لم يبد على بهاء طاهر أو مكاوي سعيد أي فرح"غير عادي"بالجائزة، خصوصاً بهاء طاهر، كأنما ترشح روايته أمر مفروغ منه، كذلك الأمر بالنسبة لإلياس فركوح أما السوري خالد خليفة فبدا سعيداً بها، وعكس ذلك من خلال الحيوية التي كانت تفيض على أصدقائه وزملائه الروائيين العرب. خليفة، الذي بدا في ملتقى القاهرة كنجم تلفزيوني، يشبه أولئك النجوم الذين يمثلون في مسلسلاته التي يكتبها وحازت إعجاب المشاهد العربي، وأسهمت بدورها في تقدم الدراما السورية، كان موضوعاً لاحتفاء الصحافة المصرية، وعبر لها عن سعادته بالفوز، ليس من أجله"إنما من أجل جيل الروائيين السوريين الشباب"، الذين، كما قال،"جددوا الدماء في شرايين الرواية السورية"، التي استأثرت بكتابتها مجموعة قليلة من الأسماء لعقود طويلة، ما جعل هذه الرواية تترسخ في أنماط محددة، أنماط كفت عن تقديم فنيات مغايرة ومواضيع جديدة، حتى جاء جيله ليؤسس عملاً روائياً يهتم بالهامش والمسكوت عنه وبالفرد ومكابداته اليومية، مقدماً كل ذلك في صياغة روائية جديدة وحيوية. ولئن كشف النقاش، أخيراً، حول ترشيحات البوكر العربية عن خلل يعتري هذه الجائزة الوليدة، فهي تقدم في دورتها الأولى، فإن هناك من رأى فيها فكرة رائدة، تستحق الدعم والمؤازرة وتلافي الأخطاء، والعمل بالتالي على نقلها إلى مصاف الجوائز الكبرى في العالم، بإيلائها الاهتمام اللازم وإعادة النظر في الأمانة العامة وعملها.