بدعوة من الملحقية الثقافية السعودية في باريس، حاضر أستاذ اللسانيات في جامعة روان الفرنسية الدكتور فؤاد العروسي عن"الفرنكوفونية واللغة العربية: تحديات العولمة"معرفاً بمصطلح الفرنكفونية في ظل مفهوم التعددية اللغوية والعولمة، وموضحاً الخطوات السياسية والتعليمية التي اتخذتها فرنسا في سبيل توسيع رقعة الهيمنة اللغوية للغة الفرنسية ونشرها سواء كانت هذه الخطوات تعليمية أو ثقافية أو تعاونية. وعرج المحاضر على مشكلات اللغة العربية من حيث مدى انتشارها في العالم وعدم التوسع في مجال تدريسها خصوصاً في فرنسا مشيراً إلى أنّ الغرب وفي كل مراحل تاريخه تناسى الفائدة الكبرى التي أحدثتها هذه اللغة في تاريخ العالم وعلومه. وعن الفرنكفونية واللغة العربية قال العروسي أنّ اللغتين قد عاشتا تاريخاً مشتركاً وأنّ الأولى لا يجب أن تكون نفياً للأخرى. واستشهد المحاضر ببلزاك الذي يذكر في مقدمة الكوميديا الإنسانية العديد من الحضارات الهندية والرومانية واليونانية من دون الإشارة الى الحضارة العربية الإسلامية على رغم أنّه يتداول في كتاباته الكثير من الكلمات ذات الأصل العربي. ويرى العروسي أنّه يجب أولاً مراجعة التاريخ وتقصي الحقائق فيه وإعطاء كل ذي حق حقه، فالجميع يعلم كم كانت إسهامات الحضارة الإسلامية العربية وثقافتها في شتى مضامين العلم والحياة، والغريب أنّ الكثير من الأدبيات العلمية لا تذكر هذا الدور. استمع الى المحاضرة، في قاعة المحاضرات والندوات في مقر الملحقية الثقافية السعودية في باريس، عدد من المتخصصين والباحثين والمثقفين والسفراء العرب، وقدم اللقاء الملحق الثقافي السعودي الدكتور عبدالله بن علي الخطيب، وأيد الحضور ما ذهب إليه في مسألة التعايش اللغوي والثقافي تحديداً، إلاّ أن بنوا ديلاند من وزارة التعليم العالي الفرنسية أبدى تحفظه عن القول أن"فرنسا لا تتعامل في شكل متكافئ مع اللغات الإقليمية بالصورة التي ذكرها المحاضر"، مضيفاً أن التعليم الفرنسي أدخل في السنوات الأخيرة برنامج تعليم اللغة العربية سواء في المدارس الثانوية المتمركزة في المدن أو مثيلاتها المنتشرة في الأحياء التي تضمّ أبناء المهاجرين، وأن هذا البرنامج"ما زال فتياً مقارنة باللغات الأجنبية الأخرى إلاّ أنه قابل للتطور". وأشاد ديلاند بدور الترجمة وقال:"إن الكُتّاب العرب الذين اشتهروا في الغرب عبروا من خلال نافذة الترجمة كنجيب محفوظ مثلاً الذي قُرئ في الغرب أكثر مما قُرئ في البلدان العربية لأن العرب لا يقرأون الروايات إلاّ قليلاً". وفي مداخلة أخرى لأستاذ النقد في جامعة الملك سعود والزائر في جامعة السوربون الدكتور معجب الزهراني قال إنّ قضية الفرنكفونية تشير دائماً إلى لقاء الآخر ، ذاكراً اعتقاد الناس بأنّها مرتبطة بالسياسة الخارجية وعلاقة فرنسا مع العالم، ما يعني تجاهلها كحركة عملية ثقافية. وأضاف الزهراني أن الفرنكفونية في الجزيرة العربية هي بمثابة العولمة الفرنسية مثل العولمة الأميركية، إذ يبدو أن المثقفين بقوا على هامش هذه الحركة بدلاً من أن يلعبوا دوراً كبيراً". وقال مسؤول المعهد الوطني للبترول في فرنسا إنّ إشكالية تعدد اللهجات في اللغة العربية تمثل عقبة أمام مسألة تعلم الفصحى. وعلى ذلك أجاب المحاضر العروسي أن الاختيار سهل، فإمّا دراسة اللغة العربية الحديثة المعمول بها في القنوات العربية التلفزيونية كالجزيرة، والعربية أو اختيار لهجة ما... وأضاف أنّ دراسة لغة أجنبية كالانكليزية والألمانية تمكن من التحدث مع الناطقين بها سريعاً، أمّا اللغة العربية الفصحى فتظل لغة كتاب وقراءة وليست لغة تواصل مع الناطقين بها. وأفادت تييري روا الباحثة الفرنسية والمحللة السياسية في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، بأنّ الفرنكفونية خطت خطوات أكيدة في مجال نشر لغتها وثقافتها سواء كان ذلك كافياً أم لا، متسائلة:"ما الذي تفعله الحكومات العربية في سبيل نشر لغتها؟". وأكد الملحق الثقافي السعودي الدكتور عبدالله الخطيب أنّ هذه المحاضرة تُعد أولى النشاطات المنبرية للملحقية الثقافية السعودية في باريس نحو بنية ثقافية هدفها الحوار وخلق الفضاء الواسع لمفهوم المثاقفة مع الآخر. وعن اختيار عنوان هذه المحاضرة لتكون بداية هذا النشاط، ذكر الخطيب أنّ اللغتين العربية والفرنسية تتجاذبهما تواريخ وحضارتان مهمتان على مستوى العالم، ما يجعل منهما مطية ضرورية لهذا الحوار ، وبحكم تمثيل الملحقية الثقافية للملكة العربية السعودية فقد كان من المناسب اختيار هذا العنوان ليكون فاتحة التبادل المنبري فضلاً عن العديد من النشاطات الثقافية التي تعمل الملحقية على إنجازها من خلال المشاركة في فعاليات ومهرجانات فرنسية أو من خلال دور الكتاب والترجمة التي تُعد أهمّ وسائل توثيق العلاقة بين هاتين اللغتين.