لا أدري ما اذا كانت جلسات مؤتمر القمة العربية التي من المقرر عقدها في دمشق الشهر القادم، ستعالج كل الملفات الساخنة والملتهبة التي تعيشها منظومتنا العربية؟ وهل ستخرج القمة بحلول ناجحة او حتى بمحاولات تبعث على احياء الامل؟ ان مجتمعاتنا لم تعد تكترث لمثل هذه القمم بسبب فشلها الدائم، وعدم تحقيق ما تقرره من توصيات، بل عندما كانت تحتدم الخلافات في داخل صالاتها سرا، باتت الملاسنات تنقل على الناس علنا، مما يؤّكد للعالم ان العرب لن يوفّقوا تاريخيا في بناء ارادة واحدة عبر تاريخهم المعاصر! واذا كانت مشكلات الامس اهون بكثير من مشكلات اليوم، ولم ينجحوا في ما مضى، فكيف يمكنهم ان ينتصروا لأنفسهم دولا وشعوبا في معالجة حالات التمزق والتشظي والاحتلالات والانقسامات والصراعات التي لم تعد سياسية كما كانت سابقا، بل غدت تطحن مجتمعاتنا طحنا من دون اي بصيص أمل؟ واذا كانت المشكلات السابقة عربية صرفة، فثمة ما يزعج اليوم من تدخلات اقليمية سافرة، وتحالفات ثنائية معلنة، واجندة دولية فاضحة. ان مشكلات العراق وفلسطين ولبنان والسودان والجزائر والصومال وجزر القمر والصحراء المغربية... مع امن الخليج واضطهادات اسرائيل، وتهديدات تركيا، واختراقات ايران... الخ.، لا يمكن ان يعالجها لقاء قادة عرب يخالف احدهم الآخر ليس في معالجته للمشكلات، بل في خطابه وتوجهاته وسياساته. ان الالغام مزروعة من اجل مسلسل التشرذم وزيادة التناقضات العربية. وانني لا ازرع اليأس في قلوب الناس، ولا اطعن في شرعية التلاقي، ولكننا نريد حلحلة لهذا الواقع المتأزم من خلال اتفاق على مبادئ عربية عامة لا حيدة عنها تنبثق منها حلول ومعالجات بعيدة عن اية اجندة اقليمية ودولية، ونحن نعرف حق المعرفة حجم التدخلات وقوة التحالفات بين هذا الطرف او ذاك. ان جدولا للاعمال لا يمكن ان يكون عاديا، ما لم ينبثق عن فلسفة جديدة تتبناها جامعة الدول العربية التي تعتبر فاشلة في كل مبادراتها اذ لا تتقدّم ابدا، بل تؤخر دوما حياتنا العربية. على مؤتمر القمة ان لا يكتفي بالدوران على ما يظهر من الازمات المزمنة وما تنتجه من مشكلات، بل عليه ان يتعمق في الاسباب والدواعي التي تخلق التحديات سواء كانت معلنة ام خفية. على القمة العربية ان تحدد موقفها الثابت من اقسى ما يواجه مجتمعاتنا من الازمات التي غدت مزمنة ويتفاقم خطرها مع مرور الوقت، ومنها: الإرهاب وخلاياه وتنظيماته، والاختراقات الاقليمية لهذا الطرف او ذاك في الشأن العربي، وشبح التحالفات من اجل انتقال الجريمة المنظمة العابرة للحدود بمساعدة دول ومافيات، والاتفاق على تغيير المناهج التربوية وتوحيدها في المدارس العربية كافة، والاتفاق على اسس وركائز موحدة وناجعة لمعالجة الوضع الاقتصادي العربي الذي يزداد تراجعاً وتردياً، والاتفاق على صيغ موحدة او شبه موحدة في ازالة التراكمات الداخلية والوقوف معا للحد من اختراقات دول الاقليم سواء ما يخص الامن والنفط والمياه والحدود والجماعات المسلحة وزراعة الافيون.. الخ.، فضلا عن اتفاق بشأن عدة تداعيات دولية، يقف على رأسها شبح الركود الاقتصادي العالمي. ان عقد اي مؤتمر يكون على غرار ما فات من مؤتمرات سوف لن يحقق الغاية المرجوة، ولا يقّدم شيئا لحياتنا العربية، ولما كانت مجتمعاتنا تنتظر حلولا جذرية، فالمطلوب عقد المؤتمر ولكن ضمن خطة جديدة في الاتفاق على المبادئ التي تشكّل قاعدة اساسية لأي تحرّك. انني ادرك تماما ويدرك غيري من المتابعين بأن هكذا لغة لا يقبلها الا ما ندر من الناس الذين يخشون على السلطات التي يمتلكونها اكثر من المصالح العامة لدولهم وشعوبهم، فضلا عن طواقم وزارات الخارجية رفقة الامانة العامة للجامعة العربية التي لم تزل غير مؤهلة جميعها لتفعيل هكذا مقترحات. اننا نعلم بأن ثمة مبادرات خرجت بها بعض المؤتمرات كانت ممتازة لو تمّ تفعيلها ومتابعتها، ولكن لم يحدث ذلك لأسباب معروفة. ان اكبر مشكلة تواجه دولنا ومجتمعاتنا العربية اليوم هي كثرة الاجندات الخارجية المفروضة على واقعنا، وشراسة التدخلات، وعقد تحالفات مع دول ضد دول، وزرع مليشيات وجماعات واحزاب وطواقم ارهاب ضد مجتمعاتنا، وخلق مشكلات وازمات وحصارات متعمدة، ووجود احتلالات وتحالفات لدول ضد اخرى، ناهيكم عن شراسة الارهاب وتمويله وتقويته وقساوة تفجيراته ضد مجموعة احرار من قادة ومثقفين وصحافيين ومواطنين آمنين. اننا كمجتمعات باتت تعاني من التخلف والامية واللاوعي بنفس الدرجة التي تعاني من الشقاء والامراض وانعدام الحقوق الانسانية. ان مؤتمرا للقمة او اكثر إن لم يسع لحل الازمات وتقديم الاهم على المهم بديلا عن المناورات والعمل ضمن اجندات وتقديم الخطابات، ولم يعمل لاصلاح ذات البين من خلال المكاشفات وتغيير كوادر مسؤولة، وان لم يسع الجميع لتقديم تنازلات من اجل حلحلة المشكلات، فلا ضرورة له مطلقا. ان الشعوب العربية لا تعلّق آمالا ضخمة على قمة دمشق لأن المشاكل والأزمات أوسع وأكبر من كل محاولات العلاج كما ان شبح التدويل يخيم علي معظم هذه المشاكل. واخيرا، سواء انعقدت القمة ام لم تنعقد، فالمطلوب خلق اوراق عربية يلعب بها القادة العرب بعيدا عن اية اوراق اخرى تثير التوترات، واعطاء الحق لأي شعب ان يحدد مصيره بيده، وعدم السماح لأي طرف ان يلعب باجندته على ترابنا وفي قلب منظومتنا. والا لماذا نبقى نوهم انفسنا بشعارات"العمل العربي المشترك"؟ * جامعي عراقي