يمكن القول إن الرأي العام العربي يكن احتراما وإعجاباً ب "حماس" و "حزب الله"، وكل من يساندهما أياً كان عرقه أو دينه، ولهذا الموقف أسباب كثيرة أهمها وفي مقدمها أنهما يقاومان اسرائيل ويمثلان خط النضال ضدها. وبالقدر نفسه يتحفظ الرأي العام على الأطرف التي تناوئ"حماس"و"حزب الله"ويخص بالاهتمام موقف الحكومات في لبنانوفلسطين، والسبب أيضاً هو الوجه الآخر للسبب الأول تقريباً، وهو أن إسرائيل وأميركا تدعمان الحكومتين. ويعجب الرأي العام لانتقاد إيران وسورية بسبب دعمهما"حزب الله"و"حماس"ويعتبر أن النقد يجب أن يوجه لكل من يناصر إسرائيل ويدعمها في عدوانها في فلسطينولبنان وإملائها الشروط على دول عربية أخرى لا تجرؤ على تحمل غضبة إسرائيل أو همسات العتاب منها. وما دامت النخبة عادة هي التي تتخذ المواقف الفكرية وتؤثر أحياناً في بقية شرائح الرأي العام، فقد انقسمت هذه النخبة حول موقفها من"حزب الله"و"حماس"الى فئات شتى يمكن أن نميز أهمها وهي ثلاثة: الفئة الأولى: التي تأمل في تحالف كل قوى المقاومة ضد الهيمنة الأميركية والبلطجة الصهيونية، وتعتبر أن هذه القوى هي الدرع الواقي لما بقي من شرف هذه الأمة. أما الفئة الثانية فهي التي لا تطيق"حزب الله"و"حماس"، كل لأسبابه، فمنهم من يبغضهما معاً لأن لهما مرجعية إسلامية. ومنهم من يقف منهما موقفا سلبيا، لمجرد أن صواريخ"حماس"في نظرهم عبثية، وأن حصيلة ضحاياها عدد من الإسرائيليين أصيبوا بحالة من الرعب والهلع، فيما الضحايا والاضرار أشد وطأة في الجانب الفلسطيني، ومنهم من ينتقدهما لأنهما يعارضان حكومتي بلديهما، أو لأنهما في المعسكر الآخر. أما الفئة الثالثة فهي التي تفرق بين"حزب الله"و"حماس"، فترى أن"حماس"انشغلت بالصدام مع السلطة واحتفلت بالشعارات بدلاً من بناء القدرات. هذا التوصيف ينبع من رؤية تستحق المناقشة بشرط ألا تنطلق هذه الرؤية ل"حماس"من كونها امتداداً ل"الإخوان المسلمين"، فيتم صب الغضب على"حماس"بالقدر نفسه الذي يصب على"الإخوان المسلمين". ومن دون أن يُفهم أنني أدافع عن أحد، فإنني أرى أن نقد"حماس"أمر مشروع فقط اذا جاء من أولئك الذين يعلنون انحيازهم للأمة ضد أعدائها وللمقاومة كمبدأ ضد الاستسلام. ولا ضير من تكرار الحديث عن الفوارق الجوهرية بين المقاومة الفلسطينية وغيرها من حركات التحرر الوطني بما في ذلك"حزب الله". ويكفي هنا أن أسجل بصدد"حماس": 1- أننا ما لم نكن في موقف القاضي العادل ونعلن الأحكام قاطعة للصالح العام، فإن الحقيقة ستضيع في تضاعيف الجدل، والنتيجة هي اتساع دائرة التضليل على حساب المصالح العليا، ولصالح عدونا. وأيا كان الخلاف بين"حماس"و"فتح"، رغم أنه في نظري خلاف بين منهجين إزاء إسرائيل، فإنه لا بديل عن الحوار والتوحد بأي ثمن، وأن نواجه الطرف الذي يرفض هذا الخط ونتصدى له لأنه يهدر الوقت والجهد ويعرض القضية لأكبر المخاطر. بل إن استمرار الشقاق بين الفلسطينيين زرع ثارات ووسع الشقة بين كل الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، وفي هذا السياق فإن ذرائع تعجيز"حماس"التي قدمها أبو مازن من اجل عودة الحوار غير مقبولة، ويجب أن يتم الحوار من دون شروط أو ذرائع، وليقبل أبو مازن لجنة التحقيق العربية التي اقترحها وزراء الخارجية العرب، لنرى إذا كانت"حماس"قامت بانقلاب كما يقول، أو أنها حسمت الموقف لطرف واحد واضح كما تقول"حماس". ويجب أن يدرك الطرفان أن مضي المدة ليس في صالح أي منهما، فيصبحان معاً عبئا على القضية وعلى هذا الشعب البائس. 2- أن"حماس"حصلت على ثقة الشعب في انتخابات ديموقراطية مشهودة، ولكنها لم تُمنح أي فرصة، فبدأت الحرب ضدها منذ البداية من جانب"فتح"وإسرائيل، وتم تأليب الدول العربية والمجتمع الدولي عليها. 3- أن السلطة الوطنية كانت تضم"حماس"في الحكومة والمجلس التشريعي، بينما أبو مازن على رأس السلطة وكلاهما على نهجين مختلفين:"حماس"تؤمن مثل حركات التحرر الأخرى بالجمع بين المقاومة والحكم، وأبو مازن لا يجيد إلا لعبة الحكم ولا يطيق المقاومة كموقف مبدئي، فجعلت إسرائيل أبو مازن العمود الفقري لحربها ضد"حماس"والمردد لمصطلحات خادعة مثل الشرعية الدولية وشرعية رئيس السلطة والقبول بالاتفاقات السابقة، ولو اتحد أبو مازن و"حماس"، وتسامى فوق جراح هزيمته كرئيس ل"فتح"أمام"حماس"، لكان استثمر ورقة"حماس"للضغط على إسرائيل، ولكنه تعلم الكثير من دروس مصير أبو عمار. 4- أن الدول العربية انصرفت عن"حماس"ومساندتها، بل ضيقت عليها، وساندت أبو مازن منذ نتائج انتخابات كانون الثاني يناير، وشاركت في الحظر الدولي، وسكتت على اعتبار"حماس"منظمة إرهابية، وتعرضت هذه الدول لضغوط هائلة من إسرائيل وأميركا، فلم تتمكن"حماس"من بناء قدراتها أو حتي توقي ضربات إسرائيل الموجهة لمقاتليها وكوادرها، ولم يصمد الى جانبها سوى إيران وسورية. فهل المطلوب أن تعلن"حماس"التوبة عن عصيانها لخط الاستسلام وأن تسلم سلاحها فتضفي بذلك على إبادتها مشروعية الاعتراف بالخطيئة؟ وهل يجادل هذا الفريق الناقد ل"حماس"في أن كفاح"حماس"وغيرها من المنظمات الفلسطينية هو رمز الرفض للمشروع الصهيوني، رغم أن هذا الكفاح لن يؤتي ثماره إلا بحضن عربي دافئ يقف هو الآخر ضد المشروع الصهيوني؟ ولماذا لا تلام أميركا على دعمها الأعمى للإبادة الإسرائيلية وهضم الحقوق العربية، كما تلام على مخطط دعم أبو مازن عسكريا ومالياً للانقضاض على"حماس"وليس لتحصيل الحقوق من إسرائيل المغتصبة؟ * كاتب مصري